الثلاثاء، 12 يوليو 2022

تطور الفن الروماني

تطور الفن الروماني

من الجدير بالذكر أن القطع الفنية تؤول الى المدن التي غزاها الرومان سُلبت وتمت إعادة عرضها على الجمهور , و تم إنشاء المدارس الفنية في جميع أنحاء الإمبراطورية واستُخدم فيها الفنانين الأجانب، بالإضافة لإنتشار ورش العمل في كل مكان، وقد أصبح الفن متعلقًا بشكلٍ شخصي بالأفراد والأفكار، وذلك للزيادة الكبيرة لرعاة الفنون من الجهات الخاصة، بدلاً من رعاية الدولة.

ويظهر ذلك بوضوح في الأشكال النابضة بالحياة في اللوحات والمنحوتات. وذلك على عكس الحضارات السابقة حيث أصبح الفن متاحا لجميع طبقات المجتمع وليس للأثرياء فقط.

سمات الفن الروماني

أعتنق فنانو العصرالروماني الفن الكلاسيكي بشكل واضح  والذي أخذوه عن الفن اليوناني بفترتيه الكلاسيكي والهيلينستي.

وتشمل تلك العناصر الكلاسيكية عدة خصائصٍ منها:

- الخطوط الناعمة والأقمشة الأنيقة.

- الأجسام العارية المثالية.

- الأشكال الطبيعية بشكلٍ مبهر، والنسب المتوازنة التي أتقنها الإغريق على مدار قرونٍ من الممارسات الشاقة.

وقد اولع معظم اباطرة الرومان بالفن الكلاسيكى حيث جسدوا  تمثالا للامبراطور" اغسطس " فى نهاية حياته , تم تجسيد  التمثال ليعبر عن شبابه واظهره بوسامة مثاليه وجسم رياضى وتم استخدام جميع سمات الفن الكلاسيكى فى نحته.


وكان الامبراطور " هادريان " معروفاً بأسم " فيلهيلين " اى العاشق لكل ما هو يونانى . فقد بدأ فى ارتداء " لحية الفيلسوف " اليونانية فى ظهوره الرسمى امام الشعب , والتى لم يكن سمع احد بها من قبل هذا الوقت وقام بتزيين قصره بالكثير من اللوحات اليونانية المشهوره .

لكن بعد ذلك بدأت الإمبراطورية بالابتعاد عن التأثيرات الكلاسيكية السابقة والرجوع لفنون 

العصور القديمة، والذي نراه واضحًا في منحوتة

وقد شمل الفن الروماني مجموعة واسعة من الوسائط والخامات، فقد تضمن أعمالًا من التصوير الجداري (الفريسكو) والفسيفساء والرخام، وأنتج الكثير من الأعمال الفضية والبرونزية وغيرها، بالإضافة لاستعماله الأحجارِ الكريمة.

وذلك بالإضافه لاهتمامهم  بالفنٍ المصنوع خصيصا بغرض تقديم الأعمال الفنية للجمهورِ والزوار بغرض العرض والتعليم.

وقد لاقت الزخارف اهتمامًا كبيرًا في منازل ذلك العصر، وتم دمج جميع اللوحات الجدارية والفسيفساء والمنحوتات بفنية عاليه مع العناصر الصغيرة كالتماثيل البرونزية والأوعية الفضية.

أما بالنسبة للمواضيع التي استخدموها، فقد تراوحت بين عدةٍ شائعين:

تماثيل الأسلاف المهمة والمشهورة

المشاهد الأسطورية والتاريخية

الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية

وقد أدى استخدام تلك الأفكارلخلق فكرة رئيسية عند الجمهور تعبر عن مدى وسع معرفتهم الفكرية وزاد من ثقافتهم

جصية من ڤيلا الأسرار. بومباي، 80 ق.م

المناظر الطبيعية والمَشاهد

البورتريهات

تصوير امرأة تصفيفة الشعر الدائرية. متحف اسكتلندا الملكي

تصوير الانتصارات

لقد كان من يزور روما في الزمن القديم يجد فن التصوير أكثر انتشاراً من فن النحت في هياكلها ومساكنها، وأروقتها، ذات الاعمده، وميادينها؛ وكان يعثر فيها على الكثير من أعمال كبار الفنانيين الأقدمين أمثال بولجنوتس وبروتجنيس ، وغيرهم. ولم تكن الأعمال أقل قيمة أو أقل تقديراً في الإمبراطورية الواسعة الثراء من صور عهد النهضة الأوربية في أمريكا ؛ وكان يجد أعمال رسامي الإسكندرية وروما أعظم وفرة في روما القديمة من صور النهضة في أمريكا الحديثة وذلك لحسن تعهدها وشدة العناية بحفظها. لقد كان الفن قديماً في إيطاليا حيث كان كل جدار يتطلب الفن، والتجميل. وأتى على إيطاليا حين من الدهر كان نبلاؤها أنفسهم يمارسون هذا الفن، ولكن تيار الحضارة الهلنستية الجارف جعل التصوير يوناني الطابع شديد الخضوع  للعرف والتقاليد حتى أنتهى الأمر بأن عجب فالريوس مكسمس  من ان فابيوس بيكتور ينزل من علائه فيصور على جدرانه "هيكل الصحة". غير أنا نجد حالات شاذة لا ينطبق عليها هذا التعميم من ذلك ان ارليوس قد ذاع صيته فى اواخر عهد الجمهورية لآنه كان يستاجر العاهرات ليكن نماذج لصور الالهات ، وحدث ؛ وحدث في عهد أغسطس أن اشتغل بالتصوير شريف أبكم يدعى كونتس بديوس لآنه عاهته قد سدت في وجهه جميع سبل الأعمال الأخرى؛ واستخدم نيرون لتزيين بيته الذهبي مصوراً يدعى أمليوس كان "يرسم في وقار جم وهو مرتد جبته .

ولكن هؤلاء الرجال غاصوا  في بحر الفن اليونانى الخضم وأخذوا يعرضون في روما وسائر أنحاء الجزيرة نسخاً من الرسوم اليونانية مطابقة لها أو مختلفة بعض الشيء عنها، تمثل موضوعات يونانية أو مصرية.

وكاد فن التصوير في روما أن يكون مقصوراً على المظلمات والألوان المائية الممزوجة بمادة غروية لاصقة توضع فوق سطح جاف. وكان المصورون يلجأون في بعض الأحيان الى تثبيت الألوان بالحرارة، وذلك بإذابتها في شمع شديد الحرارة. أما من حيث حجم الصور فإنا نذكر أن نيرون أمر بأن ترسم صورته على قطعة من القماش يبلغ ارتفاعها مائة وعشرين قدماً وهذه الصورة أول صورة استُخدم فيها قماش التصوير. 


وقد سبق القول إن الألوان كانت تستخدم في تلوين التماثيل، والهياكل، والمناظر المسرحية، والصور الكبيرة المرسومة

على أقمشة من التيل لعرضها في السوق العامة في أوقات الاحتفال بالنصر، ولكن مواضعها المحببة كانت هي الجدران

الخارجية في المباني. وقلّما كان الرومان يضعون الأثاث مستنداً إلى الجدران أو يعلقون عليها الصور، ذلك أنهم كانوا يفضلون أن يستخدموا الجدار كله ليرسموا عليه صورة واحدة أو مجموعة من الصور المتصلة بعضها ببعض في موضوعها. وبهذه الطريقة أضحت الصورة الجدارية جزءاً متمماً للبيت وعنصراً أساسياً في هندسته المعمارية.

وقد حفظت لنا أبخرة فيزوف الحارقة نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة مظلم- وهي يزيد عددها في بمبي وحدها على عدد كل ما وجد منها في سائر أنحاء العالم القديم. وإذ كانت بمبي في أيامها من المدن المتوسطة الحجم غير العظيمة الشأن فإن في وسعنا أن نتصور عدد الرسوم الجدارية التي كانت تزدان بها المنازل والأضرحة في إيطاليا القديمة. وقد نقل أحسن ما بقي من هذه الرسوم إلى متحف نابلي، ولا يزال لجمالها الهادئ رغم انتقالها إلى مكانها الجديد أعظم الأثر في نفس من ينظر إليها؛ ولكن الأقدمين وحدهم هم الذين كانوا يعرفونها في عمق ألوانها وفيما بها من إطار هندسي يجعل لكل صورة من هذه الصور معنى خاصاً وموضعاً خاصاً. وقد تركت الصور الجدارية التي في بيت فتاي في أماكنها الصلية، فترى في المطعم ديونيشس يفاجئ أدرياني النائمة، وترى على الجدار المقابل لهذه الصورة ديدالس يعرض بقرته الخشبية على باسفائي؛ وفي الطرف الأقصى من الجدار ترى هرمس ينظر في هدوء إلى هفيستس وهو يشد إكسيون إلى عجلة التعذيب. ونشاهد في حجرة ثانية مظلمات مضحكة متتابعة فيها صور متعددة لكيوبد إله الحب وقد مرت الأيام على هذه الصورة وفقدت نضراتها وبريقها  ولكن ما بقي منها يكفي لأن يحكى للزائر عما كانت عليه الحياة  من تواضع وحياء  فالأجسام البشرية تكاد تبلغ درجة من الإتقان والجودة تجعلها تنبض بالحياة .

ولقد حاول الخبراء أن يفهموا ماهية فن التصوير في إيطاليا القديمة ويصنفوا عصوره وأنماطه بالاعتماد على ما وجدوه من نماذج له في إيطاليا القديمة. وهذه الطريقة في التصنيف خطرة غير مأمونة لأن بمبي نفسها كانت يونانية أكثر منها لاتينية؛ ولكن ما بقي في روما وضواحيها من رسوم قديمة يتفق على حد كبير مع تطور فن التصوير في بمبي. 

ففي الطراز الأول (القرن الثاني قبل الميلاد) كانت الجدران تغطي بقشرة كاملة قبل الرسم عليها وكانت تستخدم الالوان بحيث تبدو الجدران كأنها مطعمة بألواح من الرخام كما نرى في "بيت سلت" في بمبي. 

أما فى الطراز الثاني أو الطراز المعماري (القرن الأول قبل الميلاد) كان الجدار يطلى ليمثل بناء أو واجهة أو بهواً ذا عمد، وكثيراً ما كانت العمد ترسم كما تبدو للناظر إليها من الداخل، وبينها مظاهر الريف الخلوية، وبهذه الطريقة كان الفنان يضفي على الغرفة التي لا نوافذ لها في أغلب الظن محيطاً ذا نسيم عليل من الأشجار والأزهار والحقول، والجدول، والحيوانات الهادئة أو المرحة اللاعبة.

وكان في وسع ساكنها السجين فيها أن يتخيل أنه مقيم في حدائق لوكلس، ولم يكن ذلك ليكلفه أكثر من النظر إلى الجدران كما كان في وسعه أن يصيد السمك، أو يقتنص الحيوان، أو يداعب الطيور ويدللها، ويعتز بها في غير فصولها وأيامها، وذلك لأن الطبيعة كانت تنقل إليه في منزله فلا يتحمل هو مشقة الانتقال إليها. وفي الطراز الثالث أو طراز التحلية (1- 50 م) كانت الأشكال الهندسية المعمارية للزينة لا غير، وكانت تضع المناظر الطبيعية في المنزلة الثانية بعد صور الآدمييين. وفي الطراز الرابع المختلط المعقد كان الفنان يترك العنان لخياله يخترع تراكيب وأشكالاً غريبة، ويضعها في مواضعها وهو مرح ساخر مما تتطلبه الحشمة والوقار، ويكدس في صورته الحدائق والعمد والبيوت الريفية والجواسق بعضها فوق بعض يشبه الى حد كبير تشويش الرسوم في هذه الأيام ؛ وكثيراً ما كان يحصل بهذا على الأثر الذي تحدثه في الناظر صورة تكملها ذكريات لا وعيية سلطت عليها الأضواء. وكان فن العمارة في جميع هذه الطرز المتقاربة إما خاضعاً للتصوير ومسيطراً عليه يخدمه ويستخدمه، فأنشأ فيه بذلك تقاليد عادت إلى اليقظة بعد ستة عشر قرناً على يدي نقولاس بوسن

 



فن البورتريه

ومن دواعي الأسف أن ما بقي من موضوعات الرسوم الكبرى قلّما يتعدى الأساطير اليونانية؛ فالآلهة، وجن الحراج، والأبطال، والخاطئون المذنبون- زيوس، والمريخ، وديونيشس، وبان، وأخسيل، وأديسيوس، وإفجينيا، وميديا هذه كلها تتكرر تكراراً يبعث على الأمل والسآمة، وإن كانت هذه التهمة بعينها يمكن توجيهها إلى فن النهضة. وثمة صور قليلة تمثل الحياة الهادئة الساكنة، كما أننا نعثر في مواضع متفرقة على مطرقة أو صاحب حانة أو قصّاب يلتمع فوق جدران بمبي. وكثيراً ما يسيطر الحب على المنظر برمته فترى فتاة مطرقة يتنازعها شوق كمين ليس معدوم الصلة بإيروس إله العشق الواقف إلى جانبها، وترى الفتيات والشبان يمرحون على الكلأ يتبادلون نظرات الوجد والهيام، وأرباب الخمر والفسق يلعبون كأن المدينة لم تعرف في حياتها شيئاً غير الحب والخمر؛ وإذا ما حكمنا على نساء بمبي من صورهن التي على الجدران كانت هؤلاء النسوة خليقات بأن يكون جمالهن محور الحياة بأجمعها في تلك المدينة، فنحن نراهن منهمكات في لعبة "الكعاب" أو متكئات في رشاقة على القيثارات، أو نشاهدهن يقرضن الشعر والأقلام بين شفاههن، ودلائل التفكير بادية على ملامحهن، ووجوههن هادئة من أثر النضوج، وأجسامهن سليمة صحيحة كاملة النمو، وأثوابهن مسبلة عليهن، فضفاضة أنيقة كأنها من نحت فدياس، يمشين كأنهن كلهن هلن اليونانية التي سلبت عقل باريس بن بريام، مدركات قداستهن. وترى إحداهن ترقص رقصة باخوسية لعلها في هواء رقيق، وذراعها ويدها وقدمها اليمنى من أجمل ما رأته العين في تاريخ التصوير. ويحب أن تضم إلى هذه الروائع بعض صور الرجال أيضاً كصورة تسيوس وهو ينتصر على المونوتور وهرقل وهو ينجي ديانيرا أو يتبنى تلفوس ، وأخيل يسلم وهو غضبان آسف برسيس المتمنعة الآبية. وكل شكل رسم في هذه الصورة الأخيرة يكاد يبلغ الغاية في الكمال ويصل فيه التصوير البمبياثي إلى ذروة الإبداع. وللفكاهة أيضاً نصيبها من التصوير؛ فهذا زعيم أشعت يتمثر على عكازته، وهذا جني ظريف يهز ساقيه في مرح تهكمي، وهذا سلينس أصلع بذيء يصور وهو في نشوة موسيقية. وللحانات والمواخير أيضاً مكانها في زينة الجدران، ولا يجد السائح المتقصي حاجة لأن يقال إن بريابس لا يزال يزهو بقواه الثمينة على جدران بمبي. وفي الطرف الآخر من هذه السلسلة حيث توجد بيوت الضواحي نرى طائفة من الصور الدينية توحي بأن المكان كان يستخدم للاحتفال بالطقوس الديونيشية الخفية؛ ففي أحد المظلمات نشاهد بنتاً أمعنت في تقواها بغير رفق حتى شلت حركتها، تقرأ في كتاب يبدو أنه كتاب مقدس؛ وفي مظلم آخر يتقدم موكب من الفتيات ينفخن في الأبواق، ويأتين بالقرابين؛ وفي مظلم ثالث نرى سيدة عارية ترقص على أصابع قدميها وإلى جوارها راهبة مبتدئة راكعة على ركبتيها، منهوكة القوى من شدة ما قاست في أحد الطقوس الدينية. وأجمل من هذه كلها نقش جداري عثر عليه في خرائب ستابيا من نوع نقوش بوتيتشلي ومتقدم عليها، ويسمي هذا النقش الربيع: وهو يمثل امرأة تمشي في حديقة على مهل تقطف الأزهار، ولا يرى منها إلا ظهرها ورأسها تديره بخفة ورشاقة إلى خلفها؛ وقلّما استطاع فن من الفنون أن يصور ما في هذا الموضوع السهل من شاعرية تصويراً مؤثراً في النفس مثيراً للعواطف كما صوره هذا الفنان.

وأقوى ما وجد من الصور صورة ميديا التي عثر عليها في هركيولانيم وحفظت في متحف نابلي، وهي تمثل امرأة مطرقة عليها ثياب فاخرة تفكر في مقتل أبنائها؛ ويلوح لنا أن هذه صورة منقولة عن الصور التي أجاز عليها البيزنطي قيصر مصورها تموماكس بأربعين ألف وزنة (تالنت) أي 144000 دولار أمريكي.

ولم يوجد في روما إلا القليل من الصور التي تبلغ هذه المنزلة، ولكن عثر في بيت ليفيا المقام في بريما بورتا على مثل رائع من صور المناظر الطبيعية التي تسمو فيها إيطاليا على بلاد اليونان، فيه تخدع العين فيظن الإنسان أنه يجتاز بهواً إلى تكعيبة في أرض رخامية من ورائها اغصان متشابكة من النبات والأزهار بلغت من الإتقان حداً يمكن العالم النباتي في هذه الأيام  فكل ورقة من أوراقها رسمت بشكلها ولونها الطبيعيين، والطيور تجثم على مواضع متفرقة منها كأنها تحط عليها إلى وقت ما، والديدان تزحف بين الأغصان والأوراق. ويقرب من هذه الصورة في روعتها ورقتها عرس الديرنديتي التي وجدت في التل الإسكويلي في عام 1606 والتي درسها روبن وفان ديك وجيتة بحماسة بالغة. وقد تكون هذه منقولة عن صورة يونانية، وقد تكون صورة أصلية من عمل رسام يوناني استوطن روما، أو من عمل روماني أصيل. وكل ما نستطيع أن نقوله واثقين أن ما عليها من صور الأشخاص- كصورة العروس الهادئة الحيية، والآلهة التي تسديها النصيحة، والأم المنهمكة في الاستعداد للعرس، والعذارى ينتظرن ليعزفن على القيثارة ويغنين- كل هذه قد رسمت برقة وحساسية ترفعان هذا الرسم الجداري إلى منزلة الآثار الفنية القديمة الممتازة

على أن فن التصوير الروماني يخلو من عنصر الابتكار، وسبب ذلك أن الفنانين اليونان نقلوا معهم تقاليدهم وأساليبهم إلى كل مكان نزلوا فيه، وحتى النزعة الثائرية الغامضة التي في هذه الصور قد تكون من أثر مهارة الفنانين الاسكندريين؛ ولكن فيها مع ذلك دقة في الخطوط، وغزارة في اللون نعرف منهما لم بلغ المصورون أمثال أبليز وبروتوجنيز من الشهرة مثل ما بلغه منها المثالون من طراز بولكليتس وبركستليز. واللون في بعض الأحيان واضح غزير كما لو كان جيورجيون هو الذي وضعه، كما أن تدرج الأضواء والظلال يوحي في بعض الأحيان أنه من عمل رمبرانت. وترى تارة رسماً خالياً من الدقة يذكر الإنسان بواقعيه فان جونج المنفرة. وفن المنظور في الرسم غير صحيح كما أن السرعة في العمل تفسد نضج التفكير. ولكن ما في الرسوم من حيوية نضرة يغطي على هذه الأغلاط كلها، فتناسب الثياب يخدع العين، ومناظر الغابات والأشجار كانت بلا ريب من أسباب البهجة لسكان المدن المكتظة بالسكان. ويجب ألا ننظر إلى هذه الرسوم بعين هذه الأيام، فأذواقنا اليوم أقل تحرراً وأكثر تحفظاً من أذواق الأقدمين، ونحن نفضل أن نترك الجدران كما هي مقصورة على وظيفتها، وقد كنا حتى الأمس القريب نتردد في أن نغطيها بالألوان. أما الإيطالي فكان الجدار له بمثابة السجن، وقلّما كان يطل منه على العالم من خلال نافذة؛ ولهذا كان يرغب في أن ينسى هذا الحاجز القائم أمام عينيه، وأن ينخدع بطريق الفن إلى جنان السلام المخضرة الناضرة. ولعله كان في تفكيره هذا على حق، فإن شجرة مرسومة على جدار الخير من منظر يتألف من ألف قمة من قمم سطوح المنازل الخشنة غير المصقولة التي تشوه جمال السماء كأنها قرح خبيثة في الشمس، ويطل عليها المرء من نافذة مسحورة في جدار.

 البورتريه

 يتميز فن البورتريه بواقعية  التفاصيل

ويعتبر أعظم التماثيل النصفية الملونة هو تمثال "رأس قيصر" وهو مصنوع من حجر البازلت والمحفوظ في متحف برلين. ولسنا نعرف من الذي يمثله هذا التمثال النصفي رغم هذه التسمية، ولكن شعره القليل، وذقنه المحدد، ووجهه الرفيع البارز العظام، وما فيه من خطوط عميقة دالة على كثرة القلق والتفكير، والعزيمة المستسلمة للحقائق بعد أن زالت عن الأعين غشاوتها وعن العقول أوهامها، كل هذه تتفق مع صفات قيصر الذي تعزو إليه الرواية هذا التمثال.

ويلي هذا التمثال النصفي في القدر مباشرة التمثال الضخم الذي يمثل رأس قيصر والمحفوظ الآن في نابلي: وفي هذا التمثال تعمقت أخاديد الوجه حتى نمت عن حقد ومرارة، كأن هذا الجبار قد عرف آخر الأمر أن ليس في العالم عقل بلغ من السعة قدراً يمكنه من فهم العالم دع عنك حكمه. وترى الواقعية التي تصل إلى حد يبعث على الاشمئزاز بادية في تمثال بمبي المقام في ناي كارلسبرج جلبتوتك بكوبنهاجن: وينطق هذا التمثال بأن صاحبه قد نسي في البداية الكهولة وهزائمها ما ناله بشجاعته من مجد ونصر في عهد الشباب. ولدينا لأغسطس نحو مائة تمثال، كثير منها جيد غاية الجودة، متقن غاية الإتقان: منها تمثال أغسطس الغلام (المحفوظ في الفاتيكان) والذي يبدو فيه صاحبه جاداً ثاقب البصر نبيلاً-وهو أجمل صورة لغلام حقيقي في جميع عصور التاريخ على الإطلاق. ومنها تمثال أغسطس في الثلاثين من عمره (المحفوظ في المتحف البريطاني)-وهو تمثال من البرونز تبدو فيه العزيمة القوية الصادقة، ويذكرنا بقول ستونيوس إن الإمبراطور كان يسعه أن يطفئ نار الفتنة بنظره؛ ومنها تمثال أغسطس القس (في متحف ترم) ذو الوجه الدال على التفكير العميق بارز من السجف المحيطة به من كل جانب؛ وتمثال أغسطس القائد الذي عثر عليه في خرائب قصر ليفيا الريفي في بريما بورتا والمحفوظ في الفاتيكان؛ وقد غطى الدرع البرونزي الذي يحمل صدر هذا التمثال الشهير بنقوش غريبة تربك الناظر وتحوله عن تأمل التمثال نفسه . ووقفة أغسطس كما يصورها هذا التمثال ثابتة قوية، وساقاه أقوى ما تكونان لشخص عليل مثله؛ ولكن الرأس يمثل القوة الهادئة، والثقة بالنفس تكشف عن يد الفنان العظيم ونفسيته.

وكانت ليفيا حسنة الحظ إذا سخرت الأقدار فناناً عظيماً لصنع رأسها المحفوظ في كوبنهاجن. ترى في هذا الرأس الشعر الجميل، والأنف الروماني الأقني الذي ينم عن قوة الخلق، والعينين الدالتين على الحنان والتفكير، والشفتين الجميلتين الدالتين على القوة والثبات. وتلك هي المرأة التي وقفت وراء عرش أغسطس تدعمه بهدوئها، والتي غلبت جميع منافسيها وأعدائها، وسيطرت على الناس جميعاً عدا ولدها. وكان تيبيريوس هو الآخر رجلاً محفوظاً. ذلك أن تمثاله الجالس المحفوظ في متحف لاتران، وإن نحت على طراز مثل أعلى موضوع، يعد آية فنية أخرجتها يد مثال لا يقل براعة عن المثال الذي نحت من حجر الديوريت تمثال خفرع المحفوظ في المتحف المصري. أما كلوديوس فلم يكن حظه حظ من سبقوه، وما من شك في أن المثال كان يسخر منه، أو أنه كان يمثل الصفات التي وصفه بها سنكا في هجائه المشهور. فقد صوّره في صورة جوبتر المتعب المتضجر، بديناً، ظريفاً، أبكم. وأجهد نيرون نفسه في أن ينمي حاسة الإحساس بالجمال؛ ولكن أعظم ما كان يرغب فيه هو الشهرة والضخامة، ومن أجل هذا لم ير لزنودوتس اسكوباس زمانه شيئاً أفضل من أن يقضي وقته في نحت تمثال له في صورة أبلون يعلو مائة وسبع عشرة قدماً . وأمر هدريان أن يوضع هذا التمثال في صدر المدرج الفلافي، ومن ثم سمى هذا المدرج باسم الكلوسيوم لضخامة هذا التمثال

وعاد فن النحت إلى واقعيته في عهد فسبازيان الأمين، فسمح لمثاليه أن يكونوا صادقين في تصويره في صورة السوقي الحق، ذي معارف غليظة خشنة، مغضن الجبهة، أصلع الرأس ضخم الأذنين. وخير من هذا وأكثر منه دلالة على الرحمة التمثال النصفي المحفوظ في ترم ، والذي يدل على نفس شغلتها شئون الدولة عن نفسها؛ ووجه رجل الأعمال الذي يطل على الناظر إليه من الأس الضخم المحفوظ في متحف نابلي. ويصل إلينا تيتس في جمجمة كالسابقة مكعبة الشكل، ووجه غير جميل. وإن المرء ليصعب عليه أن يعتقدا أن هذا الشخص الذي يبدو في تمثاله كأنه من الباعة المتنقلين هو حبيب البشر أجمعين. وقد أوتي دومتيان من بعد النظر في العصر الفلافي ما جعله يعمل على أن يبغضه الشعب في حياته فيحطم جميع تماثيله بعد وفاته.

  

مناظر من توابيت رومانية

مناظر من توابيت رومانية 

ولما خرج الفنان من القصر وأخذ يجول في الشوارع استطاع أن يطلق العنان للنزعة الإيطالية الخبيثة، نزعة الحقيقة الفكهة المضحكة. وما من شك في أن شيخاً طاعناً في السن أقل حكمة ومالاً من الوزير الفيلسوف هو الذي يصوره التمثال الهزيل الكث الشعر الذي كانوا يقولون عنه من قبل غنه تمثال سنكا. واستطاع الفنانون المشهورون في فترة من الزمن أن يمثلوا عضلات الرياضيين تمثيلاً يخلدها على مدى العصور. وشقت تماثيل المصارعين طريقها إلى أكبر البيوت، سواء كانت بيوت الأثرياء الريفية أو قصور الكبراء في الحواضر. وكان المثالون الرومان رحماء وهم ينحتون تماثيل النساء: فتراهم بين الحين والحين ينحتون تمثالاً لامرأة سليطة حمقاء، ولكنهم صنعوا بالإضافة إلى هذا تماثيل لبعض العذاري الفسقية، ومثلوا وقارهن ورشاقتهن أحسن تمثيل، كما صنعوا في بعض الأحيان تماثيل تتجلى فيها رقة القلب مجسمة كتماثيل الكليتي المحفوظة في المتحف البريطاني، وأخرى لنساء من الأشراف هشة لينة تسحر اللب سحر دُمَى وتو أو فروجونارد وكانوا جد بارعين في تمثيل الأطفال كما يدل على ذلك تمثال الغلام البرونزي المحفوظ في متحف نيويورك، أو تمثال الطفلة البريئة المحفوظ في متحف الكبتول. وكان في وسعهم أن ينحتوا أو يصبوا تماثيل حيوانات مدهشة في دقتها ووضوح معالمها، كما نرى ذلك في رؤوس الذئاب التي وجدت في نيمي عام 1929، أو الخيل الواثبة في سانت ماركنعم إنهم لم يبلغوا قط ما بلغته مدرسة بركليز الفنية من كمال وبراعة في الصقل؛ ولكن منشأ هذا النقص أنهم كانوا يحبون الفرد أكثر مما يحبون الطراز، وأنهم كانوا يعتزون بالنقائص الحقيقية التي هي سمة الحياة. وقصارى القول أن هؤلاء الفنانين رغم قصورهم قد سموا إلى أعلى مكانة في تاريخ الفن التصويري.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السيكودراما

 السيكودراما هى شكل من اشكال العلاج النفسى الذى يستخدم الدراما النفسية أو التمثيل كأداه نفسية للتاثيرعلى المشاعر وتوجيهها وترويضها على اختلا...