مسرحية الدخان

"الدخان" مسرحية تدور في 3 فصول بين منزل أسرة حمدي وغرزة المعلم رمضان تاجر المخدرات، ويتعرض فيها المؤلف ميخائيل رومان (1922 _1973) لضياع هدف وحلم الإنسان (حمدي)، والانصياع لكلام ورغبات الجميع لدرجة تفقده شخصيته وفلسفته التي كان يؤمن بها، وبالطبع إلى قضية إدمان المخدرات واستعباد الإنسان بها أو استخدامها وسيلة للهروب.

حمدي ليس مجرد نموذج لشخص مدمن أو مستهتر ينتمي لأسرة ثرية تدلل فيفسد الابن، وهو أيضًا ليس بشخص فشل في حياته التعليمية أو من أسرة شديدة الفقر فقرر أن يهرب إلى طريق الإدمان، وحمدي هنا لا يشبه شخصية حمدي بطل مسرحية أخرى لرومان حملت اسم "المزاد" فهناك هو شخص ضعيف يلعب دور المحكوم.

يجد حمدي طفل "الدخان" وشقيقته جمالات كنزًا يدعى الكتب كان يخفيها والدهما داخل صندوق أسود، والصندوق هنا ربما يكون رمزًا لعقل الأب المتحجر  فهو رغم قراءته كان متحجر الفكر، كما وصفه حمدي.

يقرر حمدي وشقيقته أن ينهلا من هذه الكتب سويًا، فيصبح الولد شابًا مثقفًا يقرأ في الفلسفة ويدرسها ويعرف الكثير عن الحياة التي أتعبته تفاصيلها، يرحل والده وتزداد الأعباء على كاهله، يعمل موظف على آلة كاتبة بعد التخرج وكم كره هذه الآلة البالية.

يدخل حمدي بجسده النحيل وعقله الذي لا يكف عن التفكير رحلة طويلة يساعد خلالها في تربية شقيقه طالب الطب فتحي، ويحاول أن يجمع المال للزواج من حبيبته حسنية لكنه يجد الأمر أصعب مما كان يتوقع، يضيع الطريق والهدف من أمامه فيقرر أن يهرب ويغيب عقله عن طريق إدمان المخدرات، يشعر أنه لافائدة من الحياة، ويسعى لتدمير نفسه.

يفقد حمدي خلال نص المسرحية إيمانه بكل شيء بداية من ذاته وصولًا لإيمانه بكل الشخوص من حوله حتى أخته جمالات التي شاركته أحلامه وفلسفته وأفكاره وأمه التي ترفض أن تمنع عنه الأموال رغم الديون والاحتياج الشديد له، وأيضًا رغم علمها بأنه سيشتري بها المخدرات.

ويزيد من حالة انعدام ثقة حمدي في كل شيء موقف أخوه فتحي منه وهو الذي شارك في تربيته وضحى من أجله- إذ يعنفه بشدة ويقسو عليه بل يهينه ويتهمه بأنه يغير منه لأنه أعلى في الدرجة التعليمية، ويصل الأمر إلى التهديد بضربه أوتسليمه للشرطة، طالبًا منه أن يقلع عن الإدمان.

النص يعتمد على "المونولوجات الطويلة" التي يغلب عليها الطابع التراجيدي، بجانب مشاهد كوميدية قليلة تنتج عن المفارقة التي تظهر عندما يلتقي حمدي المثقف بالمعلم رمضان تاجر المخدرات الحقود ورجاله ورغبة المعلم في أن يدمر حمدي تمامًا ويقضي عليه ويجعله أحد صبيانه.

وأثارت مسرحية "الدخان" أولى كتابات "رومان" عندما عرضت لأول مرة جدلًا واسعًا بين الجمهور والنقاد، إذ اعتبرها البعض نصًا جريئًا وصادمًا يقدم المدمنين من منظور مختلف، وذهب آخرون إلى تسفيه النص واعتباره لا يرقى لأن يكون على خشبة المسرح.

فكرة التآليه والاستعباد والتطلع إلى الحرية والتمرد لرفض كل القيود المجتمعية حاضرة بقوة في النص الاجتماعي الذي ألفه صاحب مسرحيات "الحصار، الوافد،  الزجاج" ويكشف ماسبق حوار مابين حمدي وشقيقته جمالات، وآخر بينه وبين نفسه، فحمدي يقدم نفسه عبدًا للمخدرات باحثُا عن الموت، ويعتبر جمالات وأمه إلهًا يلجأ إليه كثيرًا لحل مشاكله، ثم يتهمهما بالتورط في أزمته ليتمرد على الجميع، ورغم تعنيف الشقيق الأصغر فتحي لحمدي إلا أنه أيضًا كان يراه رمزًا يجب ألا يُخطئ.

يبقى حمدي في دائرة إدمان المخدرات دون أي محاولة للابتعاد يخسرعمله وأصدقائه وكل أمواله وكل شيء، حتى يحكي له تاجر المخدرات المعلم رمضان عن قصة شخص يدعى مصطفى البكري سجن في قضية سياسية وكان الوحيد داخل السجن الذي يرفض أن يركع أمام أحد داخل السجن رغم مرضه، تثور أخته جمالات عليه وتؤكد له أنه شخصية ضعيفة وجبانة يهرب من مواجهة الحياة، ليحاول حمدي أن يثبت العكس للجميع.

"كان لازم يحصل كل ده عشان أعرف أنا مين ورايح فين، واتعلم أبقى راجل، عشان أتف على العالم ماتفش على نفسي".

تحليل شخصية حمدى

- حمدى هو الاخ الاكبر " شاب طويل القامة عريض الكتفين وعيناه واسعتان وحاجباه كثيفان ، أنفه صغير ، وكلها ملامح تشير الى حسن الخلقة والاهتمام بالنشأة حيث ان له أم تهتم بأمور حياته من مأكل ومشرب وملبس وتغيير الملايات وتنظيف المنزل .

غير ان تأثير الادمان والمخدرات قد أصاب ملامح الوجه بالضعف حيث ذكُر فى المسرحية أنه على جانب كبير من النحافة وجهه صغير وعظام وجنتيه بارزة بشكل واضح حيث ان الادمان قد اثر على الملامح والوزن ودب فى الجسد الضعف العام

- وهو شخصية سطحية مسالمة لايحسن الهروب او التحايل فهو يقر بذنبه عند اول نقاش بينه وبين اخته ويعترف انه هو الذى اخد المعاش وصرف الشيك وهذا يدل على انه شخصية طيبة ولكنه لا يعرف كيف يحقق احلامه

- فيلجأ أولاً الى الكتب والعلم ويمثل دورالمفكر ثم لا يلبس ان يفشل فى هذا الدور لآنه لايعرف كيف يستفيد مما قرأه او تعلمه فى حياته فهو فى النهاية مجرد تايبست يعمل على الاله الكاتبه كسكرتير ولايجد من يوجهه الى مستقبل افضل حيث ذكر أنه تقدم للعديد من الوظائف ولكن دون جدوى

- وهو من أسرة بسيطة وبالتالى ليس لديه وساطة تعينه على الترقى اوالتقدم الوظيفى فيلجأ الى تصديق الأكاذيب وإلى التسليم بأن كل الشعراء والكتاب يتعاطون المخدرات كى يبدعوا ولآن ذلك يوافق حلمه فى ان يكون كاتباً أو مفكراً ومن هنا يدخل فى دائرة الادمان والسرقة والاستدانه كى يصرف على شراء المخدرات وبسبب ضعفه يتسبب فى فشل زواج اخته ويقف محرجاً أمام  أخيه الاصغر الطالب بكلية الطب .

- وتظهر الجوانب الاخرى للشخصية فى انه متمسك بالقيم والمبادئ التى تعلمها فى صغره فهو يجلد ذاته حينما ينظر الى الصورة العارية ، ويتعهد للمعلم رمضان برد ال 20 جنيه ويحاول الوفاء بالعهد ويعترف انه هو من أخد فلوس المعاش أمام اخته ويرفض ان يسرق مصوغات أمه كما يعترف للمعلم رمضان انه آت ليقتله ولكن لا يجرؤ على ذلك ، ويثور حينما يجد نفسه قد فقد صورته كقدوة امام اخيه الاصغر وكلها تؤكد صراع داخلى بين الخير المتأصل بداخله وبين الشر الذى تفرضه عليه الحياه كنوع من المقاومة والتاقلم مع المحيطيين.

- ويظهر جانب اخر من ملامح شخصية حمدى وهو عدم الثقة بالنفس فنجد فى حواره مع حسنيه خطيبته أنه يحاول الابتعاد عنها ويرفض الجانب الاغرائى فى سلوكها بل ويسقط عليها الخطأ وعدم الحياء وذلك انعكاس للإحباط الذى يشعر به ومحاولة لإخفاء هزيمته امام نفسه حيث ان المخدرات التى كان يعتقد ان فيها النجاه أواثبات الذات خدعته وحولته لشخص أكثر ضياعاً من ذى قبل ، كما ان الاحساس بالفشل والغباء يجعله غير متمسك باى قيمة أو فكرة فى حياته حتى بفكرة الزواج والاستقرار فهو يحاول إساءة معاملتها لتعدل عن فكرة الزواج به وهو يرى انه لم يعد صالحاً ليكون رب اسرة وان مستقبله مظلم ، كما يشير الى ذلك " فؤاد " فى كلامه حين يقول " مخدرات وافيون عشان تهرب من الخيبه "

- ويرفض حمدى ان يكون ديوث وان يتزوج من عاهرة ليظلل علاقتها المشبوه بالاخرين من الرجال وليمنحهـــــا حماية قانونيه ويتقبل الضرب والاهانه حيث يردد " اللـــى عنده ســــل ماركعش " .

كما ان ثقافته تنعكس عليه فى حواره مع رمضان وفى عز الضرب والمهانه فهو يستخرج من حوار رمضان المثل الاعلى الذى يفضل الاقتداء به ولا يستسلم بسهولة لآفكاررمضان عن المال والعمارات والعز والمخدرات التى سوف تكون سهلة المنال طوال الوقت فهى بالنسبة له مجرد وسيلة وليست غاية.

 - ويظهر فى المشهد الثانى من الفصل التانى رؤية حمدى لسبب مرضه وادمانه للمخدرات هو انه لايمتلك هدف يعيش من اجله وان طلبه للمخدرات هو هدف فى حد ذاته بصرف النظر عن كونه هدف مقبول أم مرفوض طبياً واجتماعياً كما انه يسترجع ذكرياته مع اخته ورفضه لآسلوب ابيه فى معاملتهم وفى الترفع على اولاده وعدم الانسجام معهم حتى انهم كانوا يذهبون الى المطبخ لإستكمال الضحك والسخرية وانهم لايشعرون بحميمية التعامل معه فهو يأكل فى طبق منفصل بعيداً عن عبثهم ، كما انهم وجدوا الصندوق الآسود الذى كان يستاثر به ابوهم وهو ملئ بالكتب الشيقة التى استهوتهم .

- كما يقدم حمدى نموذج رائع للشخص المدمن الذى يتمرد على نفسه وعلى مرضه ويرى جوانب الضعف والقوة فى نفسه وهو يتملك قدره على التحليل والتفسير ويستطبع مجاهدة نفسه وذلك عندما يرفض الافيون الذى تقدمه له حسنيه فى ليلة العرس ويرى نفسه بوضوح فى عيون المحيطين به وكل ذلك إنعكاس لثقافته التى هذبت نفسه ورتبت أفكاره لسنوات طويله من خلال الكتب التى تركتها ابوهم لهم .

- كما يكشف عن فسلفة العلاقة بين الإنسان وحب العذاب فأخيه فتحى حين ذهب للطبيب لعلاج الجرح الذى كان فى راسه كان يبكى ويصرخ اثناء تغيير الجرح ومع ذلك فقد تلذذ من العذاب واصبح ذهابه الى الطبيب متعه وعاود طلب الذهاب الى الطبيب حتى بععد التأم الجرح ، كذلك المدمن يستمتع بتعذيب نفسه ، فيستخدم المخدر للهروب من الواقع وترك الالام واللجؤ الى آلام اخرى هى اهون عليه مما يحاصره ويدور فى عقله الباطن ، ويُسقط ما درسه فى علم الفلسفه على  ايجاد علاقة مماثله بين الانسان المحطم معنوياً وبحثه عن الادمان للهروب من الواقع المر والبحث عن متعه اخرى كالسيجار الذى يلجا اليه معظم الرجال كما كان يتنفسه حمدى طوال الوقت للهروب من الكلام او الهروب من التفكير وليخلق نوع من الضبابيه يبينه وبين آلامه وأحزانه فالدخان المتطاير من سيجاره أمام عينيه يشد انتباهه ويحول بينه وبين الافكار المؤلمه التى تحاصره طوال الوقت، يظهر ذلك بوضوح فى الحوار بينه وبين حسنيه زوجته التى يقول لها عصبية " اتكلمى . اتكلمى اى كلام اى صوت يغطى على الاصوات اللى جوا دماغى .

ملخص شخصية حمدى : هى شخصية ذات اصل طيب مثقفة ومتعلمه تريد اثبات الذات والنجاح وتظهر ملامح الشخصية والتعلم فى قدرته على التغلب على المخدرات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاجزاء الكيفية للتراجيديا

المكونات الكيفية للتراجيديا ربما كان من الغريب التعمق فى جوانب ومكونات التراجيديا الى الحد الذى يجعل المشاهد او الدارس يتمكن من التعمق فى كي...