الف ليلة وليله

الف ليلة وليلة

القصة الإطارية

تتألف «ألف ليلة وليلة» من القصة الإطارية، والحكايات الفرعية التي تولدت عنها. فالقصة الإطارية الأساسية تدور حول ملك يدعى شهريار الذي قرر أن يتزوج امرأة كل ليلة ثم يقتلها مع بزوغ الفجر وذلك بعد أن علم بخياته زوجته  وظل على هذه الحال إلى أن تزوج من شهرزاد ابنة الوزير التي أخذت تروي له حكايات في كل ليلة طمعاً في أن يبقي عليها حية ولذا فهناك العديد من الحكايات التي بدورها تتضمن حكايات أخرى

وبالتالي فهي تكون على شكل قصة إطارية للحكايات الضمنية، ويلاحظ أن القصة الإطارية هي حكاية بسيطة تتضمّن القليل من الأحداث والشخصيات، وهذا التركيب البسيط هو الذي جعلها تتصف بميزة القدرة على احتواء حكايات كثيرة فيها، إذ ما تتسم به الحكاية الخرافية عامة هو وجود أجزاء رخوة في الفعل القصصي، يسمح بادراج أفعال قصصية ثانوية في سياقها، تنشأ باستمرار. أما الحكايات الفرعية فهي التي روتها شهرزاد عن رواة آخرين، وهي حكايات عديدة ومتنوعة. كانت شهرزاد تتوقف عن رواية الحكاية في كل ليلة، لتكملها للملك شهريار في الليلة المقبلة إذ أنه عفا عنها.

أسلوب السرد

يعمل أسلوب سرد حكايات «ألف ليلة وليلة» على دفع المتلقي إلى زمنٍ قديم، لذلك كان استخدام صيغة «يُحكى» والتي تعقبها عبارة «والله اعلم بغيبه وأحكم» تعتبر صيغة للتخلص من تبعات نقل النص وسنده ومتنه، بخلاف كتب الحديث والأدب والتاريخ التي اعتنت بهذه الأمور. إذ أن العمل يعتبر نص أدبي متخيل ومصنوع حيث يحمل بين طياته الكثير من الموقف والرؤى والاتجاهات، وباعتباره متخيلاً فإن هذه المواقف هي انعكاس لوجهة نظر منتج النص، لذلك كان الراوي المصطنع وسيلة للتخلص من هذه التبعية حيث يلقى له مهمة السرد والحكي، فلذلك وجِدت صيغة «يحكى أن» التي تحيل إلى المجهول الذي يتحمل كافة المسؤولية عن كل ما سيقال ضمن النص المروي. تبدأ حكاية «ألف ليلة وليلة» على المستوى السردي براوٍ مجهول، جرى تحميله مسؤولية ما سيقال، لذلك كانت «يحكى أن» الأنسب للحيلولة دون أن تلقى المسؤولية على شخص ما. فالفعل يحكىفعل مضارع مبني للمجهول وفاعله غير معلوم، وهذا تمهيد ليتحول السرد إلى راوٍ آخر ولكن ضمن الإطار الداخلي للنص أو القصة التي يعتبر ساردها الكلي غير معلوم. فشهرزاد تتخذ على المستوى السردي دورين، دور السارد الداخلي القائم بمهمة السرد، ودور الشخصية المشاركة في الحدث.

إذ أن الحكاية الأولى من حكايات شهرزاد، تتم عبر راوٍ خارجي وهو الراوي المجهول، حيث تبدأ الحكاية بعبارة: "قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان تاجر من التجار ..."، فأسلوب السرد هذا يشير إلى أن هناك شخص آخر يتحدث، ولكنه سرعان ما يختفي عندما يظهر صوت شهرزاد تقول: "بلغني أيها الملك السعيد" لينتقل السرد على المستوى العملي إلى شهرزاد. إن السرد الذي تمارسه شهرزاد بعناية وحذر شديدين يعتبر سرد خطير، لأنه يحمل بين طياته موتها الحتمي، ما لم تتمكن من جذب انتباه الملك شهريار إلى حديثها، لذلك فهي تلجأ إلى عبارة «بلغني» وهذه العبارة تخلص شهرزاد من تبعات ما تقول إذ لم يعجب الملك حديثها.

جدلية السرد :

عرف رومان باكبسون الادب بأنه رسالة تتمحور حول صيغة التبرير. فكل متخصص يواجه مشكلتين فى كل نص ادبى, هما: كيف يتولد النص , وما حصيلتة النهائية؟ جواب السؤال الاول ,يلقى ضوءاً على الرسالة التى يبثها النص. وبناء على هذا لابد أن تتوجه الخطوة الاولى نحو محاولة تقصى المسار الاساسى للنص.

الف ليلة وليلة تعتبر خطاب سردى, ولكن العنصر السردى لايشمل الخطاب كله, فهناك اجزاء معينة من القصة يمكن استبعادها دون الاخلال بخيط القصة ، فالبناء الكلى لــ ( الف ليلة وليلة) ينطوى على خبر رئيسى يحتوى اخباراً مترابطة ومعطوفة على بعضها البعض والخبر الرئيسى فى (الف ليلة وليلة) مختزل الى اقصى الحدود ، فهى قصة ملك اكتشف خيانة زوجته فصمم ان يتزوج كل ليلة عذراء ويقتلها فى الصباح وبعد عدة زيجات استطاعت شهرزاد ان تؤجل تنفيذ الحكم, وفى النهاية تتهربمنه وذلك من خلال سردها لقصص فتنت للملك. وهذا هو الجزء الذى لا غنى عنه فى القصة, وهو يغطى صفحات قليلة فى بداية الكتاب ونهايته ويطلق علية القصة الاطارية. فالقصص التى سردتها شهرزاد (وكذلك القصة التى سردها والد شهرزاد ليقنعها بالتراجع عن عزمها على الزواج بالملك)يمكن اسقاطها من الخطاب بلا انتهاك للحبكة السردية. وعلى الجانب الاخر، فلو اسقطنا القصص الاطارية من هذا الاثر الادبى لكانت النتيجة على المستوى التنظيمى مجموعة قصص غير مترابطة.

يمكن ايضاً ان نعيد صياغة الحبكة السردية صياغة اكثر تجريدية بقولنا انها لعنة يعقبها تمزق ويليها فى الخاتمة ابطال هذة اللعنه. وهذه الصياغه تحمل فى طياتها اصداء اساطير الخلق الساميه, حيث نجد خروجاً على النسق والتوازن الاولين يعقبه الضياع وينتهى بالخلاص فليست  (الفليلة وليلة) فى جوهرها الا صيغة شعبية للفردوس المفقود الذى يتم استرجاعه.

من الناحية الفنية ، تقدم (الف ليلة وليلة) نموذجاً لصراع شكل محوراً من محاور الاعمال الادبية الحديثة.

كما يمكن تقسيم القصة الاطارية الى اربع كتل ، اى بعبارة اخرى ، تضم القصة الاطارية اربع وحدات قصصية مستقلة يمكن لكل واحدة منها ان تسرد على حدة ومنفصلة عن الوحدات الاخريات ، وان كانت كلها متشابكة فنياً مع بعضها البعض فى العمل الادبى

تتكون قصة الف ليلة و ليلة من اربع اجزاء وهم:

1-قصة شهريار

تسرد الوحدة القصصية الاستهلالية حكاية اخوين ملكين, اكبرهما يدعى شهراير واصغرهما شاه زمان. وبعد انقضاء عشرين عاماً من الحكم السعيد فى بلاده اشتاق شهريار الى اخيه وارسل وزيره كى يأتى به. فغادر شاه زمان مدينته كى يزور اخاه. وفىمنتصف الليل تذكر شيئاً كان قد نسيه فرجع الى قصره. فوجد زوجته تخونه مععبد اسود فقتلهما على الحال ثم ذهب لزيارة اخيه. ورغم ان شهريار امر بأقامة احتفالات مناسبة لأستقبال اخيه الا ان شاه زمان بقى مكتئباً , وظن شهريار ان اخاه يعانى لوعة فراق بلده واهله . اما شاه زمان فأكتفى بالتلميح الى جرح داخلى. وفى يوم اقيمت رحلة صيد ملكى كان شاه زمان اعتذر عن المشاركة فيها واعتكف فى القصر. وبينما هو يتفرج من جناحه على حديقة قصر اخيه , اذ به يرى عشرين جاريه وعشرين عبداً وزوجة اخيه يأتون متنزهين. واذ به يرى زوجة اخيه تخون اخيه مع عبداً اسود. فشعر شاه زمان بالأسى بعد ان رأى هذا لأنها اثبتت ان مصيبته ليست اسوأ من مصيبة اخيه, وبعد قليل باتت امارات البهجة عليه. وفوجئ شهريار عند رجوعه بالتغير الذى طرأ على اخيه , فسأله عن سبب ذلك ولكن شاه زمان اكتفى بشرح سبب حزنه وكيف خانته زوجته ولم يوضح سبب تحسن حاله. وعند اصرار شهريار على معرفة سبب التحول تراجع شاه زمان عن كتمانه وحكى كيف ان زوجة اخيه قد خففت من وطأة مصيبته. فأراد شهريار ان يتأكد من هذه الخيانه بنفسه فنظم رحلة صيد ملكية اخرى ولكنه رجع منها سراً الى قصره حيث رأى خيانة زوجته بعينه.

2- الرحلة :

عزم شهريار على السفر مع اخيه كى يكتشفا ان كانت حالتهما استثنائية فمشيا حتى وصلا الى عين ماء بالقرب من بحر فجلسا يستريحا, بعد قليل ظهر عمود اسود من البحر ففزع الاخوان وتسلقا شجرة. ظهر ان هذا العمود الاسود هو مارد هائل الحجم يحمل صندوقا كبيرا على رأسه فجاء وجلس تحت شجرتهما. شرع المارد بفتح الصندوق واخرج منه فتاة يافعة جميلة, ووضع رأسه فى حجرها ونام. نظرت الفتاه الى اعلى ورأت الاخوان فطلبت منهما النزول فأحتجا ولكن أحتجاجهما لم ينفع معها فاضطرا الى النزول خوفا من ان تحرض عليهما المارد وامرتهما بمضاجعتها فأطاعاها. وبعدها اخرجت من حقيبتها خمسمائه وسبعون خاتماً واخبرتهما ان كل خاتم من هذه الخواتم قد حصلت عليه من رجال قبلهم وطلبت من كلا منهما خاتماً. فأمتثلا وفعلا كما طلبت , وروت لهم كيف ان المارد خطفها يوم عرسها ووضعها فى الصندوق ووضع الصندوق داخل صندوق اكبر واقفل عليه بسبعة اقفال ووضعه فى اعماق البحر ليضمن عفة الفتاه.

فتعجب الاخوان مما حدث لهذا المارد الجبار وتعزيا قليلاً بذلك, ثم عادا الى مملكة شهريار وهناك قتل شهريار زوجته وعبيدها.

 3- قصة شهرزاد 

كان شهريار كل ليلة يتزوج من عذراء ويقتلها فى الصباح, استمر على تلك الحال لمدة ثلاث سنوات, حتى اصبح ايجاد عروس له امراً فى غاية الصعوبه. وعندما لم يعثر وزيره على فتاه ليقدمها للملك , رجع الى بيته مهموماً. وقد كان للوزير ابنتان الكبرى شهرزاد وكانت واسعة القراءة والصغرى دنيازاد . وعندما سالت البنت الكبرى اباها عن همه شرح لها المأزق . فعرضت شهرزاد نفسها للزواج من الملك على امل ان تخلص بنات جنسها من القتل. فحذرها والدها من ان يكون مصيرها مثل مصير الحمار والثور مع الفلاح . ( وهنا يبداء والدها فى سرد قصة او امثولة الحمار و الثور وتكمل شهرواد قصتها فيما بعد ذلك بألتحامها مع قصة شهريار).

4- امثولة الحيوان :

لقد كان هناك فلاح يعرف لغة الحيوانات وكان يملك حماراً وثوراً . رأى الثور ان حال الحمار احسن من حاله بكثير فأعلمه كم يغبطه على معيشته المرفهة فلم يكن الحمار يركب الا نادراً لحمل صاحبه فنصح الحمار الثور بالتظاهر بالمرض وان يفترش الارض ولا يأكل وبذلك يتجنب العمل المرهق. فعمل الثور بنصيحة الثور ولكن الفلاح كان قد استمع الى هذا الحديث فأعطى تعليمات بأن يؤخذ الحمار مكان الثور فى الحراثه. فندم الحمار لنصيحته وحاول ان يخرج من المأزق بنصحه للثور ان يرجع الى العمل لأن صاحبهما عازم على قتل الثور  إن بقى مريضاً . وفى اليوم التالى ابدى الثور شهية طيبة عند الاكل ونشاطاً كبيراً عند العمل . اما الفلاح الذى كان قد سمع هذه المحادثات فقد قهقه ضاحكاً . وعندما سمعت زوجته ضحكه سألته عن السبب فأبى ان يحكى لهما ما كان لأن فى الامر سراً ان باح به مات لتوه. ولكنها اصرت على ان تعرف السبب حتى ولو كلف ذلك حياة زوجها. فلم يعرف الزوج ماذا يفعل , خاصة انه كان يحب زوجته حباً عظيماً فجمع اقاربه وجيرانه واخبرهم بمحنته. فتوسل الجميع الى الزوجه حتى تتراجع عن طلبها ولكنهم لم يفلحوا فى اقناعها, فأستسلم الرجل الى رغبة زوجته وذهب ليقوم بصلاته الاخيره قبل البوح بالسر . وحينئذ سمع كلبه يشتم الديك ويدينه لمرحه وصاحبهم على مشارف الموت . فتساءل الديك عما يجرى فشرح الكلب حكاية صاحبه وزوجته , فأتهم الديك صاحبهما بالغباء على اساس انه لا يقدر ان يسوس زوجاً واحدة مع ان الديك يحسن سياسة خمسين زوجة وارضاءهن, واستغرب الديك كيف ان صاحبهما لا يقوم بضرب زوجه ضرباً مبرحاً فترتدع. وعندما استمع الفلاح الى ذلك قرر ان يأخذ بأقتراح الديك. وكان عند الفلاح بعض الاغصان فى دولاب ، فدعى زوجته للدخول عليه متظاهراً بأنه على وشك ان يبوح بالسر لها, وعندما دخلت تلقت ضربة موجعة, طلبت بعدها الصفح من زوجها. (بعد انتهاء سرد قصة الحمار والثور يستكمل الراوى قصة شهرزاد التى تلتحم بقصة شهريار).

قال الوزير لأبنته ان مصرها سيكون مثل مصير زوج الفلاح ان تمادت فى عنادها. لكن شهرزاد كانت مصره على المضى قدماً فى خطتها. وقد اوصت شهرزاد اختها دنيازاد بخطتها, فهى ستطلب حضور اختها ليلة عرسها وان على دنيازاد ان تطلب من شهرزاد ان تقص عليها حكايات لقضاء بقية الليل. اخذ الوزير ابنته شهرزاد نزولا على رغبتها, وطلبت شهرزاد بدورها ان ترافقها اختها دنيازاد. فبقت الاخت الصغيرة تحت السرير. بعدها طلبت دنيازاد منها ان تحكى لها قصة لقضاء الوقت. ووافقت شهرزاد على ان تفعل ذلك بعد استئذان الملك وقد سمح شهريار بالقص وبدأ يستمتع بالحكايات, وأستمرت شهرزاد فى سرد حكاياتها وتوقفت عند الفجر. اما شهريار الذى كان متطلعاً الى سماع بقية حكاياتها الممتعة فقد اجل امر قتلها ليلة بعد ليلة حتى انقضت الف ليلة. وفى الليلة الواحدة بعد الالف عندما اكملت شهرزاد اخر حكاياتها سألت شهريار ان يحقق لها طلباً. وجاءت بأبنائها الثلاثة وطلبت من شهريار ان يلغى امر القتل من اجل الاولاد. فعانق شهريار اولادهما وامن شهرزاد على حياتها ومنحها العفو , ففرحت شهرزاد وعم الفرح الغامر على الشعب بأكمله. حينئذ استدعى شهريار وزيره وشكره لتزويجه من ابنته التى ولدت له اولاده الثلاثة. كما انه امر بالاحتفال لمدة ثلالثين يوماً والقيام بأعمال الخير للناس. وعاشوا سعداء حتى فرقهم الموت.