المسرحية النصف طقسية

 

المسرح الشعبى الدينى ( بداية التأليف فى القرن الثانى عشر ):

لم يبق للمسرح اليونانى الرومانى القديم حياه بعد سقوط الامبراطوريه الرومانيه على يد القبائل الجرمانية واجتهدت حملة الدين الجديد فى القضاء على اثار تلك الحضارة القديمة الغنية بالأثار الفنيه والادبيه.

وفى القرن السادس الميلادى كانت جميع المسارح قد اغلقت ابوابها وانقطع خبرها ولكن بمضى القرون انبعث التمثيل ثانية من قلب الكنيسة على يد رجال الدين انفسهم.

وكان الباعث الذى دعا الكنيسة المسيحية الى الاستعانه بالتمثيل هو خدمة الدين لأن اللغة المستخدمة فى القداس الدينى كانت اللاتينية التى يجهلها عامة الشعب ومن ثم رأت الكنيسة انه يمكن عرض مشهد قصيراً بعد القداس مأخوذاً بحرفه من الكتاب المقدس ليساعد فى التمثيل واطلق عليه المسرحيه الطقسية.

ثم بدأت هذه التمثيليات تزداد شعبية حتى كان من ذلك ان زادها جموع الخيال الشعبى اتجاهاً الى الطلاقه والحرية فى القرن الحادى عشر فدخلت عليها بعض الاضافات الشعرية اضافة الى نثرها ثم اضيفت اللغة الشعبية العاميه وبدأت تنموالتمثيليات فتصير مسرحيه ذات عدة مشاهد ولكنها لم تعد مجرد نمو للصلاة فى الكنيسة بل انها كلما نمت وتعقدت خرجت من الكنيسة نفسها وصارت تمثل فى الهواء الطلق  وتحولت الى ذلك النوع من التمثيليات المعروف فى الاصطلاح بالتمثيليات نصف الطقسية.

مفهوم المسرحيات النصف طقسية:

هى مسرحيه طقسية اضيف اليها لغة عامية شعبية بجانب اللغة اللاتينية,واصبح لها مؤلف يضيف التعديلات ولم تعد تؤخذ بالحرف من الكتاب المقدس واعتبرها النقاد دراما وسميت ( بالدراما النصف طقسية )وذلك:

1- لأجتيازها الى مرحلة تأذن بالانفصال النهائى عن القداس الدينى.

2- استتبع ذلك خروج المسرح من ايدى الكنيسه الى ايدى رجال الدنيا ( اوالعلمانيين ).

3- خروج المسرح من قلب الكنيسه الى  خارجها و بقى حيناً فى ساحتها وعلى اعتابها.

المزيــــــــــــــــــد

سمات المسرحيات النصف طقسية:

مدة العرض: زادت مدة العرض فبعد ان كانت خمس دقائق اصبحت ربع او ثلث ساعة.

الحركة المسرحية: الحركة تتطورت وتنوعت فلم تعد حركة مكررة فقط.

المؤلف: اصبح هناك مؤلف يؤلف المسرحية ويضيف التعديلات عليها ولم تعد تلتزم بما ورد فى الكتاب المقدس بالحرف, كما يكتب النص بمزيج بين اللغتين اللاتينية والشعبية, كما ظهرت بعض العناصر من عامة الشعب لتمثل ادوار الشياطين الصغرى اوابليس فلم يكن من المقبول ان يمثل القساوسه هذه الادوار.

الديكور: اتسم بالأتصال فكانت صالة العرض متصلة بخشبة المسرح وقد كان الشياطين يتحركون من مكانهم الى الصالة ويقومون ببعض الحركات الهزليه والايماءات المضحكه حتى تضيف جو من الفكاهه البسيط ( او بما يعرف بكسر الايهام ).

كان العرض يبدأ فى خارج الكنيسة عند بابها الخارجى حيث يقام فى الجانب الايسر لقصر الحاكم الرومانى , وفى الجانب الايمن من الباب الخارجى تقوم حوانيت بائعى العطور والطيوب حيث تقف المريمات الثلاثه.

الملابس: عندما تعددت المشاهد وكثرت الاضافات تميزت الشخصيات بتغير الملامح ووضع اللحى كما بدأت تتخذ الثياب الملائمه للشخصيات من الرسل والقديسين وغيرهم, فضلاً عن اتخاذ الاجنحه للقائمين بأدوار الملائكة كما اشتركت بعض الراهبات فى التمثيل.

اضافات اخرى : اضيفت بعض التجديدات الى بعض الدرامات النصف طقسية:-

فمثلاً فى اقليم ثور فى اواسط فرنسا فى القرن الثانى عشر ذهبت المسرحيات الى ابعد من استيفاء للقصص الدينى بأضافة لون اخر من الالوان وهو عنصرالرومان ممثلاً فى الحاكم الرومانى على فلسطين فى ذلك الحين "بونتاس بيلاطوس".

من الامثله على المسرحيات النصف طقسية :

"مسرحية العريس" او (العذارى الراشدات او العذارى المفتونات) ومسرحية " تمثيلية ادم"

- اولاً: "مسرحية العريس" او (العذارى الراشدات او العذارى المفتونات)

المسرحية تبدأ بنشيد على لسان مجموعة غنائية لتعريف من لا يعرف ان المقصود بالعريس هو السيد المسيح ثم يعيد النشيد على السامعين خلاصة الرسالة التى جاء بها السيد المسيح لخلاص البشرية وتطهيرهم من اثار الخطيئه الاولية المترتبة على معصية ابيهم الاول ادم, وهذا النشيد لم يرد فى الكتاب المقدس وانما الؤلف هو من قام بأضافته على المسرحيه.

بعد انتهاء النشيد ويظهر كبير الملائكة جبريل, يدعو العذارى الى انتظار المسيح المخلص, وبعدها تبدأ العذارى فى الرجاء الى فريق العذارى الراشدات بأعارتهن مما عندهن من زيت مصابيحهن, وهذا الرجاء منظوم فى ثلاث رباعيات فى عقب كل واحدة منها هذه اللازمة باللغة الشعبية, وترد عليهن العذارى الراشدات فى شعر منظوم رباعيات. 

وفى عقب كل رباعيه تلك اللازمة السابقة بعينها باللغة الشعبية, بعد تغيير ضمير المتكلم الى ضمير المخاطب.

لم تقتصر اللغة الشعبية فى هذه التمثيلية على امثال هذه اللازمه, بل تشتمل ايضاً على رباعيات كاملة باللغة الشعبية سواء على لسان تجار الزيت او على لسان العذارى المفتونات او الراشدات ثم على لسان العريس السيد المسيح نفسه.

ذلك ان الختام المأثور عن السيد المسيح فى الانجيل قد اضيف اليه جمله من اللغة اللاتينية, ثم ابت الروح الشعبية بعدها الا ان تزاد على لسان السيد المسيح كلمة الختام الاخيرة فى التمثيلية باللغة الشعبية.

وبعدها ينقض الشياطين على العذارى المفتونات, الممنوعات من الدخول, فيلقون بهن فى الجحيم, يلاحظ ان هذا المنظر الاخير غير وارد فى النص الانجيلى ولكنه مطلب الروح الشعبية المفطورة على طلب التسلية, حتى فى المناظرالجهنمية على الرغم مما توقعه فى نفوسهم من التقي والورع.

يلاحظ ان هذه التمثيليه لم تقف عند اختلافها عما سبق من التمثيليات الطقوسية النثرية ثم الشعرية جميعاً:

1- فدخلت اللغة الشعبية على المسرحيات فى اللازمة المكررة فى اواخر المقطوعات وفى المقطوعات نفسها فأصبح هناك مزيج من اللغة اللاتينية واللغة الشعبية.

2- امتازت بالحركة بالقياس الى الحركة فى المسرحيات السابقة, فمثلاً مركب الانبياء لا يتعدى مرور بعض الشخصيات من التوراه وغيرهم من الاقدمين, اما فى مسرحية " العريس" فأن الحركة فيها ليست حركة مكرره بل هى حركة متصاعدة تبلغ حد التأزم عندما ترفض العذارى الراشدات اعارة المفتونات زيتاً لمصابيحهن ثم يتراخى التأزم ثم تقع المفاجأة المسرحية بحضورالعريس فجأه وهن لا يزلن فى السوق والصدمة العظمى التى فى انتظارهن حين يجدن الباب موصد فى وجوههن.

نهاية المسرحية كانت خاتمه محزنه فكان فيها العبرة الكافية للمؤمنات والمؤمنين, لولا ما لوحظ من حاجة اهل السذاجه الى ما يدهش ويهز الاعصاب فى مشهد الشياطين.

                                              المزيــــــــــــــــــد


- ثانياً: مسرحية " تمثيلية ادم:

عندما غلبت لغة الشعب على لغة الكنيسة وبدأت العروض الدينية تنفصل شيئاً فشيئاً عن النصوص الدينية. كان من ذلك ان اخرجتها الكنيسة من قلبها فتولت هيئات من الشعب امرها, وصارت عند الشعب من الملاهى الورعة التقيه فى الاعياد يتبارى الشعراء فى تأليف التمثيليات لها, ويشترك رجال من غير رجال الدين فى تمثيلها, وقد اتخذ مسرحها غير بعيد عن الكنيسه تحت رواق مدخلها وعلى اعتابها.

فى الساحة الفسيحة المنبسطة امام الكنيسة وكان ذلك فى اواخر القرن الثانى عشر قدمت فى فرنسا وانجلترا, فى اطار رائع من الاخراج تمثيلية ادم لمؤلف مجهول الاسم  كتبت باللغة الفرنسية النورماندية القديمة التى كانت تستخدم فى انجلترا ايضاً منذ ان غزاها وليم الفاتح النورماندى سنة 1066 حتى القرن الثالث عشر.

كان هناك تعليمات للمؤلف بجانب النص التمثيلى باللغة اللاتينية مكتوبة بالمداد الاحمر على المخطوط الاصلى الذى لا يوجد منه الا نسخة واحدة فى مكتبة مدينة ( تور) على نهر اللورد بفرنسا.

هذه التمثيليه يعتبرها مؤرخ الادب المسرحى اقدم ما وقع للباحثين من تمثيليات العصور الوسطى فى غرب اروربا تعرض على المشاهدين تاريخ البشرية منذ سقوط ادم وتقسم المسرحية الى ثلاثة اقسام:

- القسم الاول: الخطيئه الاولى وهى اغراء الشياطين لأدم وحواء.

- القسم الثانى: الجريمة الاولى وهى مقتل هابيل على يد اخيه قابيل.

- القسم: الثالث: موكب الرسل والانبياء وغيرهم من المبشرين بقدوم المسيح, ومنهم موسى والعاهل البابلى بختنصر والشاعراللاتينى فرجيل والعرافة سيبيل.

- وتختم التمثيلية بمفاجأة دينية مبشرة بخلاص البشرية.

ظهر من اتساع نطاق هذه التمثيلية ما يستلزمه اخراجها من تضافر الجهود, كما يدل على ذلك كا ورد فى تعليمات مؤلفها التى تتناول بالتفاصيل مناظرها, وما ينبغى اتباعه فى الالقاء وفى الاداء التمثيلى.

 المنظر: منصة العرض كانت تجمع فيها المناظر مصفوفه كالبيوت الواحد بعد الاخر, بحيث يكون اولها منظر الجنة فى علوها, ويكون اخرها منظرجهنم فى اسفلها وفيما بينهما تتوالى سائر المشاهد على حسب ترتيبها.

المتفق عليه فى التمثيلية وعلى الممثلين ان يبادر كل منهم فى الوقت المناسب امام مشهده متنقلين من مشهد الى اخر على حسب ادوارهم, وقد ظل هذا متبعاً  طوال العصور الوسطى وكان القسم الاول من هذه المسرحية مكون من ستة مشاهد.

وكانت المسرحية الدينية القديمة "تمثيلية ادم" تعتبر بداية التأليف للمسرح الدينى وهى نفسها التى اتاحت ظهور الفكاهة على ذلك المسرح نفسه.

الفكاهه: كان اكثر ما يخشاه مؤلف التمثيلية الدينية فى العصور الوسطى بعد ان صار امرالتمثيل الى جماهير الشعب ان يكون جاداً فينصرف عنه الشعب  فليس هناك شئ احب للجمهور من ان ينتقل بهم الفنان من جد الى هزل  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاجزاء الكيفية للتراجيديا

المكونات الكيفية للتراجيديا ربما كان من الغريب التعمق فى جوانب ومكونات التراجيديا الى الحد الذى يجعل المشاهد او الدارس يتمكن من التعمق فى كي...