يوربيدس


ولد يوريبدس فى نفس العام الذى دارت فيه المعركة الحاسمة بين الفرس الغزاه والاغريق المدافعين وهى المعركة المعروفة باسم الجزيرة والتى درات فى مياه المضيق الواقع بين جزيرة سلاميس واتيكا اى فى خليج سلاميس وكانت اسرة يوربيدس تتمتع بمركز اجتماعى لابأس به وقد حظى بقسط ممتاز من التعليم ويقال انه فى صباه تلقى نبؤة تبشره بأنه سيصبح مشهوراً

وما ان تعرف يوربيدس على موهبته التى وجدها فى الشعر والفلسفة ومن ثم فقد تتلمذ على ايدي مشاهير اثينا مثل اناكساجوراس الفيلسوف والعالم الايونى المولد والذى زار اثينا واستقر بها لمدة 30 سنه تقريباً

ومن الفلاسفة المقربين ال قلب يوربيدس نذكر سقراط وبروديكس من كوس وبروتاجوراس من ابديرا

    بدأ يوربيدس ينظم التراجيديا وهو فى الثامنة عشر وقد اعتمد يوربيدس على المصادر االاسطورية والملحمية يقتفى اثر سابقيه وهو مثل سوفوكليس كان يتحيز لاساطير وطنه ، اما حلقة الملاحم الطروادية فلم تكن تستهويه فهو يرى انها مستهلكة

      ويتعامل يوربيدس مع الاسطورة بحرية فيأخذ او يحذف او يضيف مايخدم غرضه الدرامى كمايتوسع بحيث يمكن القول انها من ابتداعه  ومثال ذلك مسرحية "ايون " واقدم ماوصلنا من اعمال يوربيدس مسرحية " الكيستيس " والتى حلت محل المسرحية الساتيرية التى كانت تأتى بعد ثلاث من التراجيديات وتدور حول تضحية البطلة من اجل الحب

·         والى جانب الي الكيستيس صاغ يوربيدس مسرحيتين هما " ابناء هرقل " والثانية " هرقل مجنوناً "

·         ويسخر يوربيدس فى مسرحية " هرقل مجنوناً " من المعتقدات الاسطورية البالية التى تُلصق بالالهه جرائم الزنا والسرقة والخداع والكذب وما الى ذلك من نقائص بشرية ، فما يقوله فى المسرحية يعطى فكرة عن رؤيته الدينية ويبدو انه كان يحلم بإله قوى الارادة قويم السلوك كامل الصفات

·         كما قدم ميديا عام 431 وموضوعها الغيرة القاتلة

·         وفى مسرحية هيبوليتوس تقع البطلة فايدرا فى غرام ابن زوجها وبسبب رفضه لخيانة ابيه تنتحر وتترك رسالة تتهمه فيها بالاغتصاب فيصب الاب لعناته على ابنه ويتضرع الى إله البحر بوسيدون ان يهلكه وبالفعل يظهر له مخلوق وحشى من البحر يتسبب فى هلاكه ثم تظهر الربة ارتميس لكى تعلن الحقيقة كاملة ، والتدخل الالهى هنا مغزاه هو مساعدة البشر فى فهم ماغمض عليهم فهو حل خارجى تأتى به قوة الهية مرفوعة على الالات فهى فوق مستوى الاحداث الجارية على المسرح.

·         وفى مسرحية " اندروماخى" يشن يوربيدس هجوماً على اسبرطة ويهجو الاسبرطيين واخلاقهم وينتقد نظامهم السياسى واسلوب حياتهم

وهذا ماقاله على لسان اندروماخى

" مامواطنى اسبرطة ، يا ابغض كل البشر كافة ، ومدبرى الغش

ياملوك الافك ومخترعى المؤامرات الباغية بعقولكم اللئيمة

واساليبكم الملتوية ، دون ان تخطر لكم فكرة امينة واحدة

خطأ ان تكون لكم الزعامة فى هيلاس ، أية خسة ليست فى شرعكم

يا لتفشى القتل عندكم ؟ وجرائم الكسب غير المشروع ألم تنتشر لديكم ؟

كذابون ، تقولون كلمة بشفاهكم وتخفون اخرى بقلوبكم ؟

هذا مايلقاه الناس دائماً منكم ليحل الخراب بكم !.

  ولكنه تحول الى تقديم بعض المسرحيات الرومانتيكية مثل " افيجينيا بين التاوريين " او كما تسمى "افيجينيا فى تاوريس" وهناك تراجيديا رومانيكية اخرى هى " ايـــون " كما عرض رواية اسطورية وردت عند الشاعر الغنائى ستسيخوروس تسمــى " هيلينى " وقبل عام من تقديم هيلينى كان قد قدم " اليكترا " ولكنه عالجها بطريقة مختلفة إذ جعل اليكترا تتزوج من فلاح بسيط ومتواضع يعرف انه ماكان ليحظى بالزواج الملكى فهو يعاملها معاملة الاميرات ويجرى الجزء الاكبر من الحدث الدرامى لا فى اجواء القصور بل فى كوخ وضيع يجمع البسطاء من الناس والنبلاء بسلوكهم ولعل هذه المسرحية هى اكثر المسرحيات اظهاراً لميل يوربيدس الى الواقعية .

    وفى عام 408 قدم يوربيدس مسرحية " اوريستس " وهى ميلودرامية الطابع مثيرة الاحداث تتركز حول شخصية البطل اوريستيس الذى يمر بحالة مرضية بسبب قتله لآمه حيث اخذت ربات الانتقام يلاحقنه اينما ذهب فأصبنه بالجنون .

    ومن استعراض مسرحيات يوربيديس وموضوعاتها يلاحظ انه اكثر واقعية من سابقيه ايسخولوس وسوفوكليس لانه لم يحاول ان يضخم صورة ابطاله وهو اكثر مؤلفى التراجيديا الاغريقية اهتماماً بتحليل النفس البشرية ويبدى تورطا ملموسا فى امور الدين بكل صوره ولكنه تورط المتأمل المتدبر لاتورط المتدين المتعبد فهو عقلانى متشكك فى معالجته الاسطورية وارائه الدينية وهو ناظم اشعار غنائية ممتاز ومع ذلك يشعر المرء بأن هناك شئ من التفكك فى اوصال البنية الدرامية اليوربيدية حتى فى احسن مسرحياته واحكمها حبكة

    ولكن البنية الدرامية المفككة بعض الشئ ليوربيديس هى بالنسبة ليوربيديس الوسيلة المثلى لتقل افكاره الجديدة التى لم تكن منسجمه تمام الانسجام مع عصر الشاعر حيث يلاحظ ان يوربيديس كان اكثر واقعية من سابقيه ايسخولوس وسوفوكليس

  حقا فكل خصائص الافكار السوفسطائية نجدها فى مسرحيات يوربيديس ، فالانسان عنده لم يعد الشريك الاضعف امام الالهه

    ويبدو انه لم يصدق الكثير من الاساطير الاغريقية فهو يدعو الناس الى التفكير العقلانى لقد جعل الراعى فى مسرحية افيجينيا بين التاوريين يتحدث عن اسطورة مطاردة ربات الانتقام لآوريستيس وكأنه يشخص حالة مريض مصاب بنوبات الصرع

ويضيف الراعى معلقاً وكأنه المتحدث بلسان يوربيديس

" لم نر تلك الاشكال الوهمية لكنه حسب خوار البقر ونباح الكلاب اصواتا تصدرها ربات الانتقام الايرينيات .......

وفى نفس المسرحية تقول البطلة " انى ادين تلك الخدع المروعة لإلهتنا .......

لقد كان يوربيدس مؤلفاً انسانيا بكل معانى الكلمة لانه كرس عبقريته وقريحته للتعبير عن الانسان ورغباته وحاول الغوص فى اعماقه ومشاعره من حب وكراهية وغيرة وخوف ولذة والم

    كانت النساء فى مسرحياته يلعبن دور البطولة فى الغالب لان مسرح يوربيديس فى جوهره هو مسرح العواطف العنيفة والنساء اقدر على التعبير عن مكونات النفس ، كما يمكن من قراءة عماله ان يرى ملامح صورة مشرقة ومشرفة للزوجة الوفية يرسمها بكلمات صريحة على لسان اندروماخى .

    وقد اثارت التجديدات التى ادخلها يوربيديس على شكل ومضمون التراجيديا الاغريقية عدم الرضا فى بداية الامر ثم انقلبت الموازين وتبدلت المعايير ابان العصر الهيللنستى حتى نهاية القرن الاول واصبح افضل الشعراء التراجيديين

  من الانتقادات المسلطة على يوربيديس انه افسد التراجيديا وافقدها رونقها بما ادخله عليها من واقعية وهى تهمه باطلة تستند الى شئ قليل من الصحة لان معاصروه كانوا يقدسون الاساطير وهو ماباعد بينه وبين معاصريه

    وابرز الانتقادات التى عانى منها يوربيدس القول انه اظهر الشخصيات اكثر تشبعاً بالشر مما هم عليه فى الاساطير او اكثر مما تقتضى الواقعية الفنية  وما اسهل الرد على هؤلاء فيوربيديس الذى قدم شخصيات شريرة مثل ليكوس فى "هرقل مجنوناً " ومينيلاوس فى "هيلينى " هو الذى رسم شخصية الزوجة الوفية النادرة الكيستيس فى المسرحية المسماه باسمها وهو الذى قدم هيرقل فى مسرحية "هيرقل مجنونا " بطلاً ذا عظمة وفضيلة لايمكن انكارهما.

    واتهام اريستوفانيس لزميله يوربيدس باختيار "اساطير الحب الشاذ" وكذا "النساء الزانيات " و" الزيجات غير المقدسة "عن عمد هو اتهام مرفوض لسبب بسيط هو انه ليس اكثر شذوذا فى الاساطير من اسطورة اوديب الذى قتل ابيه وتزوج امه ومن معطيات هذه الاسطورة خلق سوفوكليس رائعته بل رائعة العقل البشرى كما يرى البعض " اوديب ملكاً " وليس هناك اكثر حدة وشذوذاً من فايدرا فى مسرحية " هيبوليتس " ولكن يوربيدس اوضح لمشاهديه وقراءه ان فايدرا وقعت ضحية تصارع الالهه لانهم اصابوها بهذا الحب الشاذ تجاه ابن زوجها .

ومما سبق نجد ان تأثير يوربيدس على المسرح الاوروبى منذ عصر النهضة يفوق تأثير اى شاعر تراجيدى اغريقى اخر.

·  ويجدر الاشارة الى ان شعراء الثالوث التراجيدى ايسخولوس وسوفوكليس ويوربيديس قد تعاصروا ولكن كل منهم كان ينتمى الى جيل تراجيدى مختلف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاجزاء الكيفية للتراجيديا

المكونات الكيفية للتراجيديا ربما كان من الغريب التعمق فى جوانب ومكونات التراجيديا الى الحد الذى يجعل المشاهد او الدارس يتمكن من التعمق فى كي...