ابن الرومى فى مدن الصفيح


مسرحية ابن الرومى فى مدن الصفيح

يدخل ابن دنيال صاحب خيال الظل بعربته الفنية ليقدم فرجته للجمهور مع ابنته دنيازاد التي تذكرنا بأسماء شخوص ألف ليلة وليلة.لكن المسؤول عن الستارة يرفض السماح له بالدخول مادام العرض المسرحي لم يبدأ؛ لكنه سيتعرف عليه بعد أن يكتشف أنه من كبار المخايلين المتخصصين في خيال الظل, وقد أتى إلى الركح من أوراق التراث الصفراء ليظهر ما لديه من الحكايات والمرايا بدلا من هذه المناظر والمشاهد التي يسعى أصحابها إلى بنائها جاهدين، وفيها يفصلون الأغنياء عن الفقراء، بينما المسرح حفل واحتفال ومشاركة جماعية

ويعرف ابن دنيال بنفسه وابنته، ويقدمان نفسهما للجمهور كراويين سيقدمان له مجموعة من شخصيات خيال الظل قصد تسليته وإفادته، وابن دنيال المخايل نزل من التاريخ المنسي إلى هامش الحاضر ليزرع بشارته وأمله في المستقبل. بعد ذلك، يتحلق الأطفال حول عربة خيال الظل التي تنعكس في ستارتها الظلال والأضواء لتنسج أنفاسا احتفالية من الخيال والواقع، ولتعبربحكاياها عن فئات مجتمع المدائن والأقطار، قريبة كانت أو بعيدة، بكل تناقضاتها الحياتية.
وينتقل الكاتب من الخيال، ومن لعبة خيال الظل إلى الواقع، واقع المدينة القصديرية ذات الأحياء الصفيحية حيث نلتقي بسكانها ولاسيما حمدان ورضوان وسعدان، هذه الطبقة الشعبية التي أنهكتها الظروف المزرية كالفقر والداء والبطالة وضغوطات الواقع التي لا تتوقف. يقصد المقدم هذه الفئة ليخبرها بضرورة الرحيل لتحويل هذا الحي الذي لا يناسبهم إلى فنادق سياحية جميلة تجذب السياح وتدر العملة الصعبة على البلد ريثما يجد لهم المجلس البلدي مكانا لإيوائهم في أحسن الظروف. لكن أهل الحي رفضوا هذا المقترح وقرروا أن يكون موعد الرحيل من اختيارهم أنفسهم بدلا من أن يفرض عليهم من فوق، وهو لا يخدمهم لا من قريب ولا من بعيد. وتدل الأسماء العلمية التي يحملها الثلاثة على السخرية والتهكم والمفارقة، إذ يدل حمدان على الحمد وسعدان على السعادة و رضوان على الرضى على غرار عنوان المسرحية الذي يثير الحيرة .
ويحاول ابن دنيال أن يستقطب أهل الحي وأطفاله الصغار لكي يقدم لهم فرجة تنعكس على خيال الظل بعوالمه الفنطاستيكية وشخصياته التاريخية والأسطورية؛ لكن هذه الحكايات والقصص لم تعد تثير فضول السامعين وتشد انتباههم. لأنها حسب دنيازاد بعيدة عن واقعهم الذي يعيشون فيه. لذلك اختارت دنيازاد أن يكون الموضوع قريبا من حقيقة المشاهدين يمس مشاكلهم ويعالج قضاياهم ويطرح همومهم، أي: أن يكون المعطى الفني شعبيا. وهذا ما قرر ابن دنيال أن يفعله، أن يحكي لهم قصة الشاعر ابن الرومي في مدينة بغداد التي قد تكون قناعا لكل المدن المعاصرة، كما يكون ابن الرومي الشاعر المثقف قناعا لكل المثقفين المعاصرين.
بعد ذلك، ينقلنا ابن دنيال عبر صور خيال الظل وظلاله إلى بغداد المعاصرة بأكواخها الفقيرة وأحيائها القصديرية ومنازلها الصفيحية لنجد ابن الرومي منغلقا على نفسه منطويا على ذاته لا يريد أن يفتح بابه على العالم الخارجي ليرى الواقع على حقيقته . ويزداد ابن الرومي الشاعر المنكمش الخائف على نفسه من العالم الخارجي تشاؤما وتطيرا من الوجوه التي كان يجاورها في حيه الشعبي المتواضع: أشعب المغفل الذي يتهمه ابن الرومي بالغيبة والنميمة ونقل الأخبار بين الناس والتطفل عليهم، وجحظة الحلاق الذي كان يزعجه بأغانيه المستهجنة، ودعبل الأحدب بائع العطور والمناديل الذي يعتبره وجه النحس والشقاء، وعيسى البخيل الإسكافي العجوز الذي كان يعتبره رمزا للشح والتقتير.كل هذه الوجوه الشقية المنحوسة كان يتهرب منها الشاعر العالم، ويكره العالم لأنه لم يجد إلا بيتا يطل على البؤساء والأشقياء والمعوقين والفقراء التعسين.لذا أغلق بابه على هؤلاء الناس ولم يتركه مفتوحا إلا للذين يغدقون عليه النعم والأفضال من أمثال الممدوحين والأغنياء ورجال السلطة والأعيان، وخاصة رئيس المجلس البلدي. ويقصد الشاعر بيت عمته الرباب باحثا عن جارية حسناء ترافقه في دهاليز الحياة وتسليه في دروبها المظلمة الدكناء. ولم يجد سوى عريب الشاعرة الجميلة التي دفع فيها كل ما اكتسبه من شعره ومدحه قصد الظفر بها عشيقة وأنيسة تشاركه سواد الليالي ووحدته المملة القاتلة في كوخه الذي لا يسعد أي إنسان، سيما أنه يجاور دكاكين الجيران المنحوسين الأشرار؛ مما جعله يعاني من عقدة التطير والانطواء على الذات والهروب من بغداد المدينة وعالمها الخارجي ليعيش حياته في أحضان عريب سلطانة الحسن والدلال بكل حواسه.

ويتحول ابن الرومي من شاعر مثقف إلى شاعر انتهازي متكسب لا يهمه سوى الحصول على الأعطيات والمنح من رجال الجاه والسيادة والسلطة، حيث سيشتري رئيس المجلس البلدي ذمته بكتابة قصيدة شعرية يصور فيها بؤس الحي الصفيحي الذي يعيش فيه مع أولائك المنحوسين الأشقياء قصد طردهم من هذا الحي، وهدم أكواخه التي يعشش فيها الفقر والداء والبؤس والنحس وبناء فنادق سياحية تجلب العملة الصعبة لحكام بغداد الأثرياء وأعوانهم.
ويستمر ابن الرومي في تطيره ونحسه حيث لا يفتح الباب مطلقا ليعرف ماذا وراء عالمه الداخلي المقفل بل كان يطل على الواقع الموضوعي من ثقب صغير في الباب، وكان لا يرى من بغداد سوى جيرانه الأشقياء التعساء، فيزداد تشاؤما إلى تشاؤم، وتسود الحياة في وجهه لولا الحب الذي تغدقه عليه جاريته الحسناء والأحلام اللذيذة التي تسعده في منامه ويقظته.
وينتقل ابن الرومي كما قدمه الراوي من شاعر متشائم متكسب إلى شاعر حالم مستلب ومغترب عن واقعه الخارجي، يعيش الخيال في واقعه، يركب السحاب وهو عالق بالتراب في كوخه الحقير، يتأفف من جيرانه الذين يحبونه ويحسون بمعاناته أيما إحساس.
ويتصالح ابن الرومي مع جيرانه الذين قرروا الارتحال بعيدين عنه حتى يكون سعيدا في حياته ماداموا قد أصبحوا في رأيه رموز الشر والنحس والتطير والتشاؤم؛ لكن ابن الرومي سيتعلم درسا مفيدا من عريب التي صارت حرة بعد انعتاقها من الرق وعبودية العقود المزيفة واختارت العيش معه شرط أن يفتح بابه للآخرين ولجيرانه الذين هم ضحايا لواقع الاستلاب والاستغلال من طغمة الجاه والسلطة، في هذا الحي الشعبي مع هؤلاء الناس الطيبين الأبرياء المزدرين من قبل المسؤولين وأصحاب القرار الذين يريدون ترحيلهم للاستيلاء على حيهم الذي يقطنونه واستثماره في مشاريعهم المثمرة .
وسيصبح ابن الرومي شاعرا ثائرا يتصالح مع جيرانه، ويمنعهم من الرحيل، ويعترف بأخطائه الجسيمة التي اقترفها في حقهم، وبأن سماسرة السراب هم المسؤولون عن هذا الاستلاب والتخدير الاجتماعي، ويعدهم أن يكونوا يدا واحدة في وجه المستغلين وبائعي الأحلام الزائفة.
وتختار عريب في الأخير أن تدفع الشاعر إلى معرفة العالم الخارجي لتحريره من خياله وأوهامه وأحلامه وانكماشه الداخلي واغترابه الذاتي والمكاني، فأرسلته ليبحث لها عن خلخالها الذي ضاع منها في السوق؛ وبعد تردد وتجاهل قرر ابن الرومي أن ينزل عند رغبة عريب وأن يبحث لها عن خلخالها.

لغة المسرحية

- استخدام تقنية المسرح داخل المسرح

 أن من أهم مبادئ المسرح الاحتفالي تحويل المسرح إلى مجال لتحريك وعي الناس ، أي جعل التشخيص المسرحي نفسه خاضعا للمساءلة والمناقشة والتعليق من داخل التشخيص نفسه . وهذا ما يطلق عليه التمسرح أو المسرح داخل المسرح. 

ومسرحية ابن الرومي  مبنية من بدايتها إلى نهايتها على هذه التقنية ، فابن دانيال وابنته يفتتحان العرض المسرحي بظهورهما على الخشبة ، لكنهما بدورهما يحركان لوحات مسرحية بواسطة عربة خيال الظل التي تحتل ، بعالمها، جانبا من مسرحهما، فيتواريان ثم يظهران عند نهاية كل لوحة أو بدايتها للقيام بتحريك جديد أو إغلاق، يقول ابن دانيال في نهاية اللوحة الرابعة ممهدا لإطلاقه لوحات مسرحية : سأحكي. سأحكي عن شاعر فقير يعيش مثلكم في أكواخ القصدير ، سأحكي عن ابن الرومي الجديد." … ” 

إن دورهما يماثل إلى حد كبير دور السارد في الرواية ، لكنه سارد من نوع خاص لأنه لا يكتفي بالتدخل بل يستعين بوهم إطلاق عالم التشخيص بواسطة آلة خيال الظل ، والمسألة هنا ليست سوى لعبة إيهامية لتكسير الرتابة المعروفة في العروض المسرحية التقليدية التي تقدم عرضها مباشرة للجمهور ، وهذا الإجراء شبيه بخاصية التغريب في مسرح بريخت أي تحويل المواقف اليومية لمعاناة الناس، بواسطة تدخل السارد، إلى واقع مدهش يستحق الاهتمام عبر إدراكها في حالة عزلة وغربة ، والهدف من ذلك تمكين الجمهور من الوقوف على مبعدة من الوقائع المعروضة ليصبح قادرا على اتخاذ موقف نقدي تجاهها ، أما الإجراءات المؤدية إلى خلق حالة التغريب فهي:

– إظهار تناقضات الشخصية

– جعل الممثل يعرّف بدوره في نفس الوقت الذي يؤدي فيه هذا الدور

– فتح إمكانية أداء أدوار متعددة في عرض واحد لممثل واحد

– استخدام الإنشاد والأحلام والمونولوجات الداخلية

– إدخال السرد في نطاق الحوار ، فكل شخصية يمكن أن تتحول إلى سارد.

ومعظم هذه الخصائص سنجدها في مسرحية ابن الرومي في مدن القصدير مما يدل على أن للكاتب صلة ما بالمسرح البريختي.

تستخدم تقنية المسرح داخل المسرح أيضا على مستوى شخصيات المسرحية الأخرى حيث نرى مثلا جوهرة وحبابة في اللوحة السادسة تتقمصان دور رجلين وتتحاوران مع عريب التي تحتفظ بدورها الحقيقي كجارية:

– جوهرة ( وهي تمثل دور رجل) عجبا ترد لي مطلبا حقيرا وأنا من أنا . عريب، هل نسيت أنني أكبر المقاولين في بغداد؟

– عريب : ولتكن...

– حبابة ( وهي تمثل أيضا دور رجل) وأنا هل نسيت مركزي في كل بغداد؟

يقوم هذا التشخيص المزدوج بتكسير رتابة التشخيص المسرحي ويجعل المشاهد يعيش حالتين في مشهد واحد. وهذا عامل أساسي في تقوية الوعي بالموضوعات المعالجة لدى الجمهور.

 

- الديكور
تظهر كل المعلومات الخاصة بالديكور عن طريق اللغة في الإرشادات المسرحية. وهي في الغالب مقاطع وصفية. فتبدأ اللوحة الثانية هكذا: ” يرفع الستار عن ساحة تحيط بها مجموعة من دور الصفيح، وأخرى من قصب، ظلام شبه تام، تنبعث من النوافذ أضواء خافتة ترسلها شموع هزيلة… إلخ
هذا بالنسبة للنص، أما في العروض التي قدمت لهذا العمل فالديكور كان حاضرا بجميع عناصره دفعة واحدة ، لكنه يتغير من لوحة إلى أخرى.
و المسرحية مليئه بكل أنواع التقنيات التعبيرية ووسائل الأداء الفنية ، وهو عرض يمثل بجميع عناصره المتفاعلة مثالا دالا على الاتجاه الاحتفالي الذي تبناه عبد الكريم برشيد خلال حياته الفنية الطويلة.

الارشادات المسرحية

الجزء الاكبر  من الاراشادات المسرحية  كان مقتصرا على وصف لكل لوحة من لوح المسرحية السبعة عشر , واصفه للمشهد و الحدث الذى يدور على الخشبة

الشخصيات :

1- ابن دانيال : هو الراوى لحكايات خيال الظل ولذلك فهو واهم يعيش فى الخيال وينفصل عن الواقع حيث يقول : "هل تعيش الاحلام وتنمو لولا عيون الفقراء"

2- عريب: معاندة – شرسة ( كما تقول المعلمة عنها ) لا تحب حياتها وتسخر منها ولكنها تحسن استخدام الكلمات  حيث تقول : فمالى فى ايامى غير رسم الكلمات ، تتحدث عن نفسها فتقول : " ربونى فى الحقول تربية الجوارى ، راقصة كنت فى بيكال ، وممثله فى بردواى ، اتعرى عبر الليالى ، تجلدنى ، تلسعنى عين الرجال ، ترانى فى الاسواق حافية عارية القدمين ، يعرفى نخاسوا بيروت والقاهرة ، ويعرفنى السكارى فى بيروت فهى حالها حال عامة الجوارى .

3- المعلمة ( العمه الرباب ) : هى تاجرة – فاجرة ( كما تقول عنها عن عريب ) اكسبتها الايام خبرة فى بيع الجوارى ومعرفة نفوس الرجال والنساء ( هى تتحدث عن نفسها مخاطبة ابن دنيال) ، تحب المال وتبيع الجوارى أو تؤجرهم للرجال لمجرد ليلة ، عجوز شمطاء ، وعادة لاتهتم بمعرفة اسماء ضيوفها لآن الناس فى نظرها كالدنانير الصفراء.

4- جحظة المغنى ( من جيران ابن الرومى ): صوته حسن ويحب الغناء والطرب ولكن اصدقائه وجيرانه لا يقدرون ذلك فيه ويسميه ابن الرومى " مغنى الحمام " يعمل كحلاق وهى مهنة ابوه ،ويدعى انه يستطيع ان يداوى الناس  ولذلك فهو ثرثار يتكلم كثيراً ويتمتع بشئ من الحكمة فيقول : حلم الاعيان الخلود وحلم ذوى الفقر قيام القيامه

5- دعبل الآحدب(من جيران ابن الرومى ): ظهره مقوس فهو أحدب ولكنه شاعر ، كما انه قد اكسبته المعاناه والفقر روح الحكمة ، يبيع الكحل والمسك والعطر للغوانى الحسان اى العاهرات (كما يقول عنه جحظة المغنى اثناء المحاكمة : انت ياعديم الحسن تبيع الحسن !)، يقول الاحدب رداً على تهكمهم عليه : كيف ياملائكة الرحمة تفرخ حدبتى نحس بغداد ، كيف ودعبل الاحدب قد تكون فى رحم هزيل ، لست شؤما على بغداد وانما هى شؤم على ، حدبتى ورثتها عن بغداد التى اعطت وما انصفت، كما يقول رداً على كلام ابن الرومى :" ان تقيم بين الاشياء علاقة سحرية ، لاشئ يربط النجم بأقدار الناس ، وحدبتى يا ابن الرومى لاتمس احداً غيرى " ويراه ابن الاحدب انه سبب كل المصائب وسوء الحظ .

6- أشعب المغفل (من جيران ابن الرومى ) : مفوهه ، فصيح اللسان ، بارع فى الخطاب ولكن الجميع يحتقره ، يهتم لآمر الناس ويحاول ارضائهم ولكن الجميع يتهمونه بالفضول.

7- ابن الرومى : هو شاعر ولكنه سجين الوساوس والآوهام فيفضل العزلة ويبتعد عن الناس ويرى انهم صعاليك ولذلك فهو يراهم سبب تعاسته وآلامه ، برغم براعته فى الشعر الا انه كالسماء يغيم مرة ويشرق مرة فكل مواقفه تبنيها احوال نفسية وتهدمها اخرى ( كما  يقول عنه عيسى البخيل )

- الخادم يازمان :8

 رجل خبيث ماكر وكذاب يستخدم الكذب طول الوقت لحل المشاكل المعقدة فيقول عن نفسه موجهاً كلامه لإبن الرومى : هل كنت تفتح الباب بهذه السرعة لولا الكذب ؟

ثم يطلب من ابن الرومى ان يكون مثله " يكذب ثم يكون او ل من يصدق كذبه "

 عاشور : هو شخص ابله ساذح يصدق ما يسمعه ويقنع بما يُطعى له يحمل مسدساً لعبة ويستخدمه فى الحصول على مايريد 

ليست هناك تعليقات:

الاجزاء الكيفية للتراجيديا

المكونات الكيفية للتراجيديا ربما كان من الغريب التعمق فى جوانب ومكونات التراجيديا الى الحد الذى يجعل المشاهد او الدارس يتمكن من التعمق فى كي...