المسرح فى العصور الوسطى



العصر الوسيط هو الذى يفصل بين عصور الظلام (بداية القرن 15 الى القرن 9 م) وعصر النهضة (من القرن 9 حتى اوائل 14)

 : مقدمة 

بعد تدهور الامبراطورية الرومانية حوالى عام 476 م تحطمت التقاليد الموروثه من العصر الاغريقى ولم يبقى من فن المسرح إلا المساخر التمثيلية والمعروفة باسم ميموس الى كانت من نتاج المسرح الرومانى وكان الدافع لنموها ذوى النفوذ والسلطان فى ذلك العصر ، وقد لاقت اقبالاً من الجماهير حتى تلاشت كل اشكال الفنون المسرحية الاخرى وساد هذا اللون من التمثيل الذى يًعرف بإسم جونجلير وهو عبارة عن فرقة من الجوالة مكونة من شعراء منشدين ، حيث كانوا يتجولون فى العصور الوسطى بفرنسا عازفين على آلات موسيقية مثل القيثارة والدف وينشدون أشعاراً  مثل التروبادور فى جنوب فرنسا و التروفير فى شمال فرنسا وكانت هذه الفرق تعتمد اساساً على ارضاء الجمهور  ، ويساهم فى ازدهارها الاغنياء والامراء وكان افراد الجونجلير يرتدون قميص قصير وبنطلون ضيق بألوان زاهية واحياناً عباءات

وتنوعت عروض الجونجلير كالاتى 

أكروبات : وهى حركات رياضية بهلوانية راقصة ويمتاز العارضين المشتغلين بها  بخفة الحركة والقوة الجسمانية وغالباً يرتدون أقنعه ذات اشكال مخيفة

المسليون : وهم ممثلون يقومون بالتهريج وتبادل التعليقات اللاذعة والساخرة مع الحاضرين لإضحاكهم كما يتميزون بسرعة البديهه وخفة الدم وحضور النكته

المداحون : وهم الذين يقومون بالغناء والعزف على الالات الموسيقية ، وكانت اغانيهم معظمها يتسم بالاباحية وتحمل الكثير من الالفاظ والاشارات المبتذله ، كما ان هناك نوعاً اخر من الاغانى كانت موجهه للأمراء وهذه كانت على شكل مديح

الاراجوز والعرائس : وهذا النوع من العروض تستهدف نفس الغرض الذى يقدمه الجونجلير مع اختلاف الوسيلة

المسرح الدينى

وقفت الكنيسة كمؤسسة دينيه أخلاقية ضد اشكال التمثيل الشعبى وحركة الجونجلير والتى كانت تمثل خطراً كبيراً من وجهة نظرها ، لآنه يؤثر على رؤيتها الروحانية للوجود ، ورات الكنيسة ان الاعمال التمثيلية التى تقدم فى الشوارع نوع من الملهاة التى تلهى الناس عن ممارسة حياتهم الدينية وتبعدهم عن حضور القداس ، فحاربتها بقوة ، كما تدخلت الكنيسة فى سن القوانين المدنية لحماية سلطتها الدنيوية وكان من اهم هذه القوانين

يحرم على رجال الدين المسيحى مشاهدة عروض الجونجلير

يحرم العمل بالمسرح على كل من يدين بالمسيحية

كل ممثل يرغب فى اعتناق الدين المسيحى عليه ان يتبرأ من العمل بالتمثيل اولاً

يحرم الزواج بين المسيحين وفنانى الجونجلير

يحرم إطلاق الاسماء المسيحية على الممثلين والممثلات


وامام الاجراءات التى نفذتها الكنيسة بحزم واستجاب لها الشعب وتعاطف معها دينياً ، انحسرت حركة الجونجلير  وانخفض توهجها وعادت سيطرة الكنيسة على المسرح 

وبرغم ذلك لم تستطع الكنسية القضاء نهائياً على المسرح خارجها ، ولم تؤدى سيطرتها على وأد فكرة تشخيص ومسرحة الاحداث اليومية التى تستند الى مبدـأ المحاكاه ، الذى اعتبره ارسطو فى كتابه (فن الشعر) مبدأ إنسانى ، حيث رسخ فطرية المحاكاه عند البشر ، وفى ذلك الوقت نشات الحاجة داخل الكنيسة الى سرد قصة السيد المسيح والاشارة الى معجزاته ، مع الاحتفاظ بإسلوب عرض جذاب ومشوق مما ادى الى خلق حوار درامى بين أكثر من شخص ، لكى تكون القصة أكثر وقعا وثأثيراً فى نفوس المصلين ، وكانت هذه المسرحيات تعرض فى عيد القيامة وعيد الميلاد وتحمل نصوصاً منقولة من الانجيل ويقوم بعرضها مجموعة من القساوسة والشمامسة وكانت ملابسهم اثناء العرض هى الملابس الدينية وتحكمهم فى ذلك قيود وتعاليم الكنيسة 

أسلوب التشخيص فى العصور الوسطى

على مر العصور كان العنصر الغنائى من اهم العناصر فى الطقوس الدينية حيث يتناوب مع النصوص فى الجزء الأول من القداس ، أما الجوقة الذين يرددون الطقوس الختامية فهم المصلون انفسهم ، ولازالت حتى اليوم الطقوس الختامية تتم بنفس الصورة ويشارك فيها  المصلين كما يحدث فى احتفالات عيد السعف التى يقام فيها حوار يتلى على باب الكنيسة وايضاً صلاة الصليب ومباركة شمعة الصفح فى يوم سبت النور

وكان الشماس اثناء العرض يقرأ منمنمات محفروة على اسطوانه يمسك بها فى يده ، وكان يبرزها بالتدريج عندما يبسط الشماس يده حتى يراها المصلون مما ترك اثر رائع فى نفوس المصلين ونال إعجابهم

ومع مرور الزمن توالت الابتكارات فى المسرحية الدينية المكتوبة باللغة اللاتينية وخرجت هذه العروض من الاديرة الى الكنائس ثم انتشرت فى كل مكان

أماكن التمثيل

يمكن تقسيم اماكن العرض المسرحى الى

الكنيسة كمسرح

مسرح الكنيسة

المسرح الدائم

المسرح المتنقل

المسرح الدائرى

المسرح ذو الستارة

مع ظهور التطور فى بناء خشبة المسرح الذى نتج عن وجود علاقة بين فضاء المسرح ، ونوع المسرحية المقدمة ، والممثلون ( مقدمى العرض المسرحى ) ، ومتلقى العرض ( الجمهور ) والحدث الزمنى المقدم فيه العرض حيث توجد علاقة وثيقة بين كل ماسبق

الكنيسة كمسرح

كانت الكنيسة تستخدم كمسرح لآن رجال الدين هم من يقومون بالتمثيل ولآن النص المسرحى مقتبس من الانجيل ولشرح نصوصه ولذلك فكان من الطبيعى ان تقدم العروض داخل الكنيسة امام المصلين حيث عًرضت اولى المسرحيات فى عيد القيامة وقدمت امام المذبح وبدأت بظهور اثنان من رجال الدين يرتديان ملابس بيضاء كأنهم ملائكة ويقفان على حافة قبر ، ثم يدخل ثلاثة اخرون فى ملابس نساء ينقبن فى القبر ، فينظر احد الملائكة قائلا " عمن تبحثن فى القبرة ايتها المسيحية " فترد قائلة عن المسيح الذى صلب فيقول الملاك : ليس هنا ، ثم يقوم ويقول لها : إذهبى واعلنى انه قد صعد من القبر ، وكانت النقوش والزخارف المرسومة على حائط الكنيسة تساعد على رسم الجو العام المطلوب 

 

طريقة العرض

كانت العروض تقام فوق هيكل الكنيسة الموجود فى الركن الشرقى منها وهو ركن مرتفع عن الصالة بحيث يجلس المصلين وتوضع أمامهم المناظر بطريقة " المنظر المركب " وهو أحد ابتكارات اخراج المسرح الدينى فى العصور الوسطى

والمنظر المركب Multiple Setting هو وضع جميع المشاهد التى يحتاجها العرض المسرحى على منصة العرض او مكان التمثيل دفعة واحد منذ بداية العرض ، وتكون هذه المناظر متجاورة فى صفين متوازيين على يمين ويسار الجمهور ، ثم ينتقل الممثلون من منظر لآخر تبعاً لإحتياجات الحوار ، وكان هذا النظام هو النظام الذى اعتمدته الكنيسة لآنه مشابهه لطريقة وقوف الشمامسة اثناء الطقوس الدينية 

ولما كان المسرح فى بداياته فإن الادوات المستخدمه كانت بسيطة قدر الامكان فكانت الادوات المستخدمه من المقتنيات العادية حيث من الممكن ان يرمز الى محل العطور بكرسى أو ان يرمز الى القبر بكرسى آخر فقط يشار اليه بكلمة قبر  أو كلمة محل عطور اثناء العرض التمثيلى 

كما أوجدت الضرورة ثوابت عُرفت مع مرور الوقت وتكرار العروض مثل الخير دائما يكون على يمين الصليب والشر  فى اليسار والجنه فى الشمال وهكذا

 

مسرح الكنيسة

عندما تعددت أنواع المسرحيات وكبر حجمها وتعددت مناظرها ، اسفرت السرعة التى نمت بها العروض المسرحية عن خلق الحاجة الى ضرورة البحث عن مكان اكثر اتساعاً ولذلك تم نقل العروض المسرحية من داخل الكنيسة الى الساحة امام السلم الغربى ومع ذلك استمرت هيمنة الكنيسة وسلطتها على شكل ومضمون العرض حيث لم تزل النصوص المسرحية مستمده من الانجيل

 

طريقة العرض

وضعت لوحات المنظر المركب Multiple Setting وسط الفناء على هيئة غرف أو صناديق مفتوحه من احد الجوانب لتسهيل دخول وخروج الفنانين ومن أمثلة المسرحيات التى كانت تعرض فى ذلك المكان " مسرحية القيامة أو البعث "

 

الجنه والنار

كان تجسيد الجنه والنار فى العروض المسرحية من اهم مظاهر العرض وكانت الجنه لابد تقام على مكان مرتفع ويحاط بستارة من جميع الجهات ولايظهر  من داخلها الا رؤس الممثلين فقط ، كما توجد بها اشجار يتدلى منها الثمار  والى جانبهم توجد شجرة الحياة المزدهرة التى تتميز عن باقى اشجار الجنه وكل من يلفظ بكلمة جنه لابد ان يشير الى اعلى

أما جهنم فلابد ان تكون فى مستوى ادنى من الجنه ويخرج منها الدخان والروائح الكريهه ويعبر عنها بفوهة يدخل منها الشياطين يحملون المذنبين ، وتعلو الاصوات وهم يتخبطون ويصيحون كما تكثر اصوات الانين والالم من داخل النار

 

المسرح الدائم

حدث تطور للمسرح ف الفترة من القرن الثالث عشر حتى الرابع عشر  حيث خرج العرض الدينى من تحت سيطرة الكنيسة وتحرر من قيودها ، وفى نفس الوقت منعت الكنيسة الرهبان من المشاركة فى تمثيل المسرحيات لآنها تقام خارجها ، مع الابقاء على المسرحيات الدينية التى تعرض فى الاعياد والاحتفالات الدينية 

وانتقلت الاشراف على العروض المسرحية لهيئة اخرى هى المجلس البلدى بدلاً من الاشراف الكنسى ، وصارت العروض المسرحية تطول وتتطور واضيفت اليها بعض المناظر المأخوذة من الانجيل ، كما اصبحت تكتب بالانجليزية والالمانية والفرنسية بعدما كانت تكتب باللاتينية التى يصعب فهمها بالنسبة لعامة الشعب

 

طريقة العرض

بخروج العروض المسرحية من الكنيسة صارت تعرض فى الاسواق والميادين وساحات الهيئات الشعبية حيث كانت تقام على مسرح خشبى مستطيل ومثبت على اعمدة طول كل منها حوالى 1.5 متر من سطح الارض ولم تتخلى المسرحية عن التقنيات المتبعة فى العرض الكنسى حيث كانت تستخدم تقنية المنظر المركب ولكن بطريقة مختلفة بعض الشئ ومتطورة عن تلك التى سمحت بها ظروف المسرح الكنسى حيث تراصت المناظر فى صف واحد مواجه للمتفرج بعكس اسلوب العرض فى الكنيسة حيث كانت توضع المناظر فى صفين متوازيين فكان الجمهور لايرى نصف المناظر المعروضة ولكن يمكنه سماع اصوات الممثلين ، ولأن رجال الدين فى العروض الكنسية كانوا يهتمون بوظيفة السمع لا وظيفة الرؤية 

صُنعت المناظر فى ذلك الوقت من الخشب ومن الخيش وتم توظيفهم فى اشكال غرف متجاورة ومتراصة فى نصف خسبة المسرح البعيدة عن الجمهور ، وتُرك النصف الاخر الاقرب للجماهير وهو متسع تدور فيه الاحداث ويتحرك فيه الممثلون لتقديم عروضهم وهو ما يطلق عليه (بليتا  )platea )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاجزاء الكيفية للتراجيديا

المكونات الكيفية للتراجيديا ربما كان من الغريب التعمق فى جوانب ومكونات التراجيديا الى الحد الذى يجعل المشاهد او الدارس يتمكن من التعمق فى كي...