السيرة الشعبية

 

تعد السيرة الشعبية احد انواع الادب العربى ، ولكنها لرام تحظى بالاحتفاظ بنصوصها نظرا لوفاة الرواه وعدم

 ظهور خلفاء لهم يهتموا بتوثيقها وحماية نصوصها


والجدير بالذكر انه لم يبق الاعدد قليل من رواة السيرةالهلاليه فى مناطق متناثرة من مصر ، وقد ترك الكثيرين هذه الحرفة وتحولوا الى الغناء وقد ادى ذلك الى رفض هذا الفن واحتقاره واحتقار مؤديه 

ولعل النظرة العنصرية التى وجهها " ربنان " و " دى بور " و " جورج جيكوب " وغيرهم الى العرب والحكم علي خيالهم بالقصور أو العجز سببها الاساسى هو اهمال السيرة الشعبية.

الا ان العرب قد بدأو فى الاهتمام بدراسة اعمالهم الشعبية منذ الاربعينات ، وقد تمت بعض المحاولات داخل اروقة الجامعة بواسطة العرب انفسهم أوباحثين قريبين لاروقتها حيث كان الطريق شاقاً ولم يكن هناك امثلة يحتذى بها سوى دراسات المستشرقين والرحالة ، حيث كانت اقدم دراسة هى محاولة محمد توحيد السلحدار الكشف عن اسباب تقبل الجمهور لمسرحية الاحدب التى قدمها جورج ابيض سنة 1912 حيث ربط بينها وبين مفهوم الفروسية فى القصص الشعبى ، ايضا رسالة دكتواه د / سهير القلماوى عن الف ليلة وليلة ، وعبد الحميد يونس فى دراسته الظاهر بيبرس التى نال بها درجة الماجستير ، وكذلك شكرى محمد عياد فى دراسته " البطل فى الادب والاساطير " التى قدمها عام 1959 وقدم محمود ذهنى " عنترة بين التاريخ والادب الشعبى ونال بها درجة الدكتوراه وغيرهم من الادباء العرب.

أما الباحثين الغربيين فلم يتوقفوا عن دراستها حيث قدمت انيتا بيكر " سيرة بنى هلال فى جنوب تونس " رسالة دكتوراه سنه 1978م من جامعه انديانا " كما برز اسم جيوفانى كانوفا فى ايطاليا وهناك دراسات بلغات متععدة وفى بلدان متعدده .

وتهدف هذه الابحاث الى التعرف على قوانين السيرة الشعبيه وبناءها المعمارى والقوانين المحددة لسمات مواليد البطل .

وتعتبر سيرة " ابن هشام " اقدم صورة موجوده بين ايدينا باللغه العربية .

تمر السيرة الشعبيه بحلقات مرتبطة بالفرد ومرورا بحلقات عمره واحدى هذه الحلقات هى المواليد وقد تم اقتباس مصطلح مواليد البطل من افواه الرواه فى محافظتى قنا واسوان فى مصر العليا ، والمقصود بها ليس لحظة الميلاد فحسب ولكنها ظروف النشأة  

إذ هى فترة زمنيه اطول من لحظة الميلاد بكثير ، وتشمل عالم البطل قبل ولادته وحتى مرحلة التعرف والاعتراف 

فالجزء الاول من سيرة بنى هلال هو باب مواليد ابى زيد وهو مدخل السيرة الشعبية كلها والجدير بالذكر ان سيرة برهام شاه وفيروز شاه وحمزة البهلوان هى تأليف وليست روايات شفوية وبالاخص سيرة برهام بور التى هى ترجمه حرفية لمنظومة هفت بيكر " التماثيل السبعة ".

أما حمزة البهلوان فهى رواية كتبت بأيد عربية رداُ على سيرة فيروز شاه ولترفع من شأن العرب.

انواع الرواه :

يمكن تقسيم الرواه الى قسمين

1- القسم الاول هم رواة نسخوا النصوص المطبعة بين ايدى القارئ العربى وهؤلاء النساخ لم يدونوا اسمائهم فى معظم الحالات ودنوا اسماء الرواه الاصليين وقد اختلط فيها لفظ التأليف بلفظ الرواه .

فى سيرة بنى هلال " حمداً لمن جعل الاولين عيرة للاخرين ( أما بعد ) فهذه سيرة بنى هلال التى تشتاق لقراءتها الكبار والصغار على الاجيال ويذكر بعدها مباشرة عبارة " قال الراوى ".

وتوضع عبارة البداية  لنسخة الطبع ، أما عبارة قال الراوى تستخدم عادة فى السير الشعبية وخاصة فى موطن بناء سياق جديد يكشف عن استتار الفاعل وهو هنا الراوى وقد استمرت " سيرة بنى هلال " تذكر قال الراوى " أو " قال " حتى صفحة 250  

ولقد وقف الباحثون مواقف متعددة من نساخ النصوص الشعبية بعضها سلباً والاخر ايجابياً

فمحسن مهدى يرى حيال نص " الف ليله وليله " ان النساخ قد عبثوا به وملؤها بالكذب والدجل والتهويل والتحريف والتبديل ويصف مؤلفاتهم بأنها رخيصة .

أما الإيجابيين فقد رأوا ان الاعمال المنسوخة أعمالاً مؤلفة وليست روايات شعبيه وقد ذكرها فاروق خورشيد ومحمود ذهنى فى كتابهما " فن كتابة السيرة " مؤلفاً روائياً وكذلك الحال فى نص " سيرة عنتر ".

2- القسم الاخر هم المدونين الذين حافظوا بأمانه على نقل النص من أفواه الرواه دون تحريف أو تغيير فى لغة النص ، وقد كانت تقاليد القص فى الجنوب الاقصى لمصر حيه قوية فى الماضى حين كان المذياع نادراً فى حياة الناس ، وما زالت بقاياها تعيش مجاورة للمذياع والتليفزيون ، كما كان الحال فى تونس حيث جمع عبد الرحمن فيفه رواية الشيخ الذى كان يأتى لجمع الصدقات من عمال المناجم هناك ويروى عليهم السير.

وقد أثرت معتقدات اهل الاقصر عن الارواح والاشباح فى كما ظهرت حلقات الغناء فى الاقصر وتدعمها قصص كـ " عنترة " ، و" ابى زيد الهلالى سلامة " ويقوم بقصها " حمدان " شيخ العرب الهوارى الذى سقف بعصاه الغليظة مؤديا دور البطولة فى السير التى يحكيها الى ان توفى فى السودان وهو يعمل مع عمال التراحيل عن عمر يناهز التسعين .

وكان عدداً لابأس به من الرواه قد رحلوا دون ان يسجلوا رواياتهم لذا فجمع السير صار يتم من افواه العجائز من الرجال والنساء ولكن على شكل فصول منها وليس إجمالاً لذا فقد كان جمع القصص امر غاية فى المشقه ، والجدير بالذكر ان تقاليد السيرة وفن الرواية تحتاج الى معلم ليس من المثقفين ولا حرج ان كان أمياً ويفضل ان يكون ممن لهم باع طويل فى التعامل مع الناس وفهم دوافعهم والغوص فى مشاكلهم والتحكيم فيما بينهم وفهم عاداتهم وتقاليدهم ، ايضاً يفهم تقاليد الرواية الشعبيه .

الملحمة :

تم اطلاقها فى بادىء الامر على الإلياذة والآوديسية ، ثم اطلق من بعدها على اعمال اوروبية اخرى مثل ملحمة رولان وملحمة السيد ، وهناك عناصر مشتركة بين الملحمة الآوروبيه والسيرة الشعبية العربية ولكن بينهما أيضاً  اختلاف كبير ، فالسيرة عالم متسع أكبر بكثير من الملحمة وهى الشكل الاول الذى نتبت منه الملحمة ، فالملحمة هى جزء من السيرة حيث تحتوى الملحمة على شعر ، أما السيرة فلا تحتوى على شعر، واهم فرق بينهما هو اتساع السيرة الذى يحمل فى طياته أكثر من ملحمة 

وهناك خلط يتم من ان لآخر ومن رؤية لآخرى فـ " عنترة " فى نصها المطبوع ادرجها كل من فاروق خورشيد ومحمود ذهنى تحت فن الرواية ، فهى ليست فى نظرهما سيرة بالمعنى الاصطلاحى الحديث ، كما انها ليست اسطورة عند الانثروبولوجيين كما انها ليست ملحمه بمفهومها عند اليونان ، ولكنهما لاحظا انها تقترب من الرواية فهى مرة شبيهه بالرواية الخياليه ومرة شبيهه بالرواية الواقعية ، كما صنفاها كرواية تاريخية ولاخياليه ولا واقعية ، ولذلك فيمكن تسويتها بالرواية الام فتصبح سيرة " عنترة " رواية من نوع السير التى يغلب عليها الطابع التاريخى.

ولا تفوتنا حقيقة أن هناك بعض الرواه الشعبيين كانوا يقومون بسرد سلسله من اسماء الرواة لخلق نوع من الايهام بحقيقة مايقول وليوقع التأثير فى نفس مستمعيه بصحة مايقول ، ولعل اصدق مافى النص  هو قوله : قال الناقل بالرواه .

فالاعمال الشعبية التى وصلت الينا مخطوطة إما لنساخ كانوا امناء فى نقل النص أو انهم كتبوا النص بلغتهم ، والنساخ الذين نقلوا النص كما هو بلغته العامية ولم يحاولوا تغييرها وتفصيحها كثيرون .

كما ان هناك فئة اخرى حاولوا تفصيح النص وبذلوا جهد فى الارتقاء به ، مما ساهم فى طبع هذه النصوص حتى وصلت الى ايدينا ، ويمكن اطلاق لقب مؤلف نص على هؤلاء ليس من حيث تركيبه من الالف الى الياء ، وانما من حيث عرضه فى السياق المناسب ويمكنه ان يضيف او يحذف مايريد حتى يصل به الى الصيغه المقنعه والجذابة ، مثله كمثل الراوى الشعبى الذى يمتلك ادوات الرواية ويتقن حبكتها . وتظهر مقدرة الرواى فى اختيار العبارات مثل  ( صلوا على طه الرسول – ياسمعين – ياسادة ياكرام - - النبى تبسم فى وجه من صلى عليه – وغيرها ) كذلك تظهر براعة الناسخ من الرواية حين يذكر حادثة ويتركها ثم يعود ليشير اليها فى وقت مناسب .

كما ان اختيار الالقاب كما فى سيرة " الزناتى خليفة " كان له تأثير على جمهور المستمعين كما حدث فى قرية " المطاعنه"  جنوب الاقصر فهم من اصل " الزغابى " والزغابى هم من حمر اليمن وبالطبع فهم يرون انهم ينتسبون الى الزناتى خليفة ، لذلك لم يكن هناك مجال للتلاعب بأسماء الابطال او تغييرها فالجمهور لن يقبل ذلك .

واهتمت السير بجزئين اساسين هما :

1- وجود رفيق للبطل يصاحبة رحلة حياته وهى شخصية تخدمه ولا يمكن الاستغناء عنها.

2- الحديث تفصيلاً عن نسب البطل قبل ميلاده ليتحقق نقاء النسب فالبطل الاول للسيرة لابد ان يكون كريم النسب .

فعنترة المعروف بانه من اب عربى وام حبشيه ما كان يمكن ان يغوص الرواى فى الحديث عنه قبل ان يعرف الناس بنسب ابيه الممتد الى ابراهيم عليه السلام ثم ابنه اسماعيل عليه السلام ثم اندار نسبه الى ابناء قيدار حتى عدنان ثم معد فنزار ، وجعل من نزار والداً للعرب دون استثناء فهو أبو اياد والد العرب ، كما انه جد الرسول عليه الصلاة والسلام والحديث كما سبق يطول ويخلق جومن الترقب والاهتمام للسماع والإستمتاع ، كما يضفى على السيرة ثيمه تاريخية وانتهى الحديث عن نسب ملكهم ووهو احد ابناء عمومة شداد بن قراد والد عنترة ، أما والدته فهى اميرة من اميرات الاحباش سبيت فصارت أمه الى ان سباها والده شداد وأنجبت منه بشهادته وشهادة اصحابه عنترة . 

الخلاصة :

1- ترتبط السير الشعبية فى وحدة بنائها ، حيث تسير فى سبع حلقات مترابطة المصادر هى  : الرواية ، الراوى ، النبؤة ، ونسب البطل ومواليده ، وغربته واغترابه ، ثم الحلقة الاخيرة وهى التعرف والاعتراف 

2- وجههت بعض الانتقادات الى السيرة الشعبية منها :

أ- يرى العقاد ان العرب كانوا قبائل رحلاً يؤمون المدن فى مواسم تتقاسمها العبادة والتجارة والخطابة فأتمر التاريخ والاقليم واللغة على ان يكونوا " امه بلا خيال ".

ب – يرى " دى بور" ان التفكير السامى يقوم على نظرات فى شئون الطبيعة متفرقة لا رابط بينها ، وأذا عرض على التفكير السامى شيئا ما يعجزة رده الى ارادة الله التى لايعجزها شئ

ج – ويقلل نيكلسون من شأن القصص العربى بإنكاره ان الادب العربى لم يبدع ملحمه شعرية كبيرة ، وان كل ما ابدعه كانت قصص نثرية .

د- ويرى احمد امين ان الخيال العربى محدوداً وغير متنوع وقلما يرسم له خياله عيشه خيراً من عيشته التى يحياها.

هـ - يقف عبد الحميد يونس ضد هذه النظرة متعجباً من التعميم فى الاحكام ، كما يقف فاروق خورشيد مدافعاً عن العقلية العربية ويذكر ان ابداعها حورب من كثير من المستشرقين ويذكر ان العقليه المستشرقة غاصت فى التفاصيل ولم تقوى على رؤية  الصورة الكلية للابداع العربى بمايحتويه من بلاغة لغوية ، وهذا ما ذكره المستشرق جوستاف جرونبام فى كتابه ( حضارة العرب ) ، ويفرد عبد الحميد يونس فصلاً يؤكد فيه ان القصة العربية واكبت الامه العربية فى تاريخها ، وكانت اداة فنية تكشف عن ظروفهم واحتياجاتهم .

و- ويرى الباحث إن الابداع العربى ظلم بسبب عدم التدوين والتأريخ وان هناك كتب كثيرة وسيرة كثيرة فقدت بسبب ذلك وبسبب الحروب والاستعمار الذى تأمر على محو تاريخ العرب ونسب الكثير منه لنفسه.



[1] مولد البطل فى السيرة الشعبية ص 8

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاجزاء الكيفية للتراجيديا

المكونات الكيفية للتراجيديا ربما كان من الغريب التعمق فى جوانب ومكونات التراجيديا الى الحد الذى يجعل المشاهد او الدارس يتمكن من التعمق فى كي...